الرمثا / منصور ضيف الله

الرمثا

اشتعل الهاتف ، وانبجس صوت عميق ، يتسلق شعاب الأذن ، ثم ينزلق سريعا داخل تلافيف الدماغ : “مشواري إلى الرمثا ، جهز حالك” . لم أكن أعرف الرمثا ، ولم أختلط أهلها ، فقط قبل عقود احتوى اللاند روفر الطفل . في الصدر يتوشح الضابط أوسمته وشبابه ، وفي الصندوق الخلفي ثمة طفل يتكوم مدهوشا ، تغزوه كلمة الرمثا ، وترسم في عقله صورا متواشحة ، وتبعث ألحانا متناغمة تخطفه إلى عوالم غرائبية ، تعجنه ، وتصهره ، ثم تلقي به في قاع صامت بعيد . كانت الرمثا بيوتا طينينة متلاصقة ، أقرب الى التبتل منها إلى الخشوع . ظل المشهد عالقا في تجاويف الطفل البدوي ، يحمل من الأسئلة ما ينحني أمامه كل الجواب .

“جهز حالك” ، لم يمض وقت طويل حتى تحركت الديانا ، والحمولة “قعودان” !! الطريق الى هناك طويلة قاسية . الشتاء يقذف حممه ، زخة تلتصق باخرى ، تنفرش على وجه الزجاج لا يلبث ان يطيح بها هوى شمالي ، هبوب مشبع بسهول حوران ، وجبلها العنيد ، وحكاياها الناطرة ، ورواية عتيقة عن بيوت طينينة متطامنة ، اغفلها الرواة ، وظلت نقشا على صدر الزمان

تشق السيارة أكوام المياه ، وأمواج الريح . يعبث السائق بمفتاح الراديو ، يقفز صوت فيروزي ، “يا جبل اللي بعيد خلفك حبايبنا” . الجبال دوما بعيدة ، وسفوحها برية عصية ، تتضوع بعطر الايائل ، وشميم الخزامى .

مقالات ذات صلة

أوشحة الليل تلف المدينة ، الشوارع وحدها تنادم السهارى ، المحلات شرعت أبوابها للغياب ، وأعمدة الكهرباء ظلت شاهدا على ” رمثا ” أسلمت ذراعيها للأحبة وراحت في سبات عميق .

نصل المضيف ، خمسيني من عائلة ” ….” ، الجميع في عجلة من أمره ، ننزل الحمولة ونغادر . لم تتح لنا فرصة زيارة المدينة ، ومشاهدة معالمها ، أو حتى دخول بيت رمثاوي ، والتعرف إلى ناسه .تغذ السيارة خطاها ، تكابد دربا أثقلته الإيام ، وفي النفس شوق لكأس شاي معتق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى