الحقيقة_مؤلمة

#الحقيقة_مؤلمة

د. #هاشم_غرايبه

أنعقدت وانفضّت يوم الجمعه، القمة العربية الثانية والثلاثون، من غير أن تشهد اهتماما من أحد، فيما كل القمم في دول العالم يترقبها الملايين ويحتفي بها الإعلام، كونها دائما لها ما بعدها.
سأقدم فيما يلي تفسيرا من الواقع الذي لم يعد خافيا على أحد، لأسباب انعدام الاهتمام الواضح، سواء كان على مستوى أبناء الأمة، أو ممن هم من غيرها.
الى زمن قريب، ربما في نهايات القرن المنصرم، بقيت الأمة منخدعة بقياداتها، تعتقد أن زمام أمرها بيدها، فتنشد الى مؤتمرات القمة التي واظب زعماؤها على عقدها، لأجل أن تصدق شعوبهم أنهم يعملون على ابقاء كلمة الأمة موحدة، وللأيهام بأنهم يتمثلون همّ الأمة ويسعون لتحقيق آمالها، ولكن تبين سريعا أنه ليس بيدهم غير الكلمات التي يلقونها في ذلك الاجتماع، فكانت تنافسا في قوة المواضيع الإنشائية، التي لا يبقى لها ظل على الأرض، لأنها كزبد السيل .. تذهب جفاء.
سيسجل التاريخ أن تاريخ الأمة الحديث، بعد سقوط الدولة العثمانية، على أنه زمن الوهم والخداع، فقد سمي تضليلا “التحرر الوطني”، للإيهام بأن القرار العربي أصبح منطلقا من المصلحة الوطنية، لكنه في حقيقته كان مرتهنا لإرادة الغرب المستعمر لكل أقطار العروبة، سواء منها من كان يصرح بتبعيته له مطلقا عليها تجميلا لهذه العلاقة الآثمة مسمى (التحالف)، وأخرى تعلن رفضها وعدم انصياعها، وتصرح بممانعتها وتمردها، إنما هي من الناحية العملية لا تعمل أمرا يسوؤه، فجميعها وصلت الى الحكم عبر انقلابات عسكرية، وليس عبر انتخاب من الشعب وباختيار منه، فهي تعلم أن قرار بقائها في الحكم مرهون برضى الغرب وليس رضى الشعب، لذلك أصبحت المخرجات السياسية للفريقين متقاربة، وجميعها وفق ما يريده هذا المستعمر، وتراعي مصالحه أكثر من مصلحة الأمة.
قبل جلاء هذه الصورة، كان يطلق على الفريق الأول: الأنظمة الرجعية وعلى الثانية الأنظمة التقدمية، لكن بعد توافقهما على الانهزام في حرب 67 ، واتفاقهما على رفع شعار “السلام خيارنا الاسترتيجي”، بمعنى دفن شعار “تحرير فلسطين”، تحول مسماهما الى معسكرين سمي الأول “معسكر السلام” أي تقديم التنازلات المجانية لإنهاء الصراع بلا شروط، أما الثاني فهو يسعى للأمر نفسه لكن بعد مفاوضات عبثية لحفظ ماء وجهه.
بعد إذ لم يعد هناك قدرة لقوة عالمية، مهما عظمت، على بسط نفوذها بالقوة المسلحة، أصبح العمل الوحدوي وتشكيل التحالفات سمة العصر، وهنالك حركة دؤوبة من كل الأقطار من أضعفها الى أقواها بهذا الاتجاه، فلماذا تكون الأقطار العربية مستثناة من ذلك؟، إذ لا يسمح لها بالانضمام الى أي تحالف تحت مسمى عربي أو إسلامي، لا يكون زمامه بيد أمريكا أو رهطها من الأوروبيين.
فنرى انعدام التنسيق بين الأنظمة العربية في أية مسألة تعود على الأمة والأوطان بخير، ولا تبث في أي عمل عربي – عربي الحيوية وينتج قرارات تطبق، إلا إن كان بإيحاء أو برعاية أمريكية، وأصدق مثال على ذلك قمم مكافحة الإرهاب (الإسلام)، والتجمعات التي تضم وزراء الداخلية أو الهيئات المخابراتية لأجل حماية الكيان اللقيط من المقاومين.
الجامعة العربية أسستها بريطانيا، ونزعت منها الدسم والهيبة، لتكون الإطار الوحيد المسموح للزعماء العرب الإلتقاء فيه، لأنها مؤسسةٌ أصلا على إدامة الروح القطرية تحت مسمى القومية، لمنع الوحدة الحقيقية التي ستنجح لو كانت على أساس إسلامي جامع.
بعد تجارب قرن في الرهان على هذه الأنظمة، ثبت للمواطن العربي، أنها غير مؤهلة للدفاع عن قضاياه ولا لتمثل آماله وطموحاته، .. لذلك لا جرم انه لا أحد يهتم بمتابعة تجمعهم ولا تفرقهم، سواء من أبناء الأمة أو من غيرهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى