الحقيقة العارية

#الحقيقة_عارية

د. #هاشم_غرايبه

يقع كثيرون من ابناء أمتنا في خديعة توهّم أن هنالك فارق بين سياسة الغرب عموما وأمريكا كقائدة له من جهة، وبين سياسة الكيان اللقيط، وهؤلاء الواهمون يأملون في ان اختلاف المصالح على المدى البعيد سيوقع بين الطرفين أو سيدفع الغرب الى التخلي عن رعاية ذلك الكيان، والذي من المؤكد أنه لو تم ذلك حقيقة فسينهار خلال ايام قليلة.
من رسخ هذا الوهم هم الأنظمة السياسية العربية، وذلك لتبرير انقيادهم وتبعيتهم له، بحجة أقبح من الذنب ذاته، وهي القول بأن اثبات ولائهم المجاني لأمريكا، سيقنعها بأنهم أكثر نفعا لها من الكيان اللقيط العالي المكلف.
يجب أن نعي الحقيقة الجلية، وهي أن حلم الغرب التاريخي منذ القدم كان بالسيطرة على أقليم حوض المتوسط ، شرقه وجنوبه، لمناخه المعتدل الذي يفتقده الأوروبيون في بلادهم، ولموقعه الاستراتيجي الذي يتيح التحكم التجاري، ولغناه بموارده الطبيعية، ومنذ نهضة أوروبا وشعور أممها بالعظمة، نشأ التنافس بينها لاحتلال بقاع منه، لكن وجود الدولة العثمانية كان حائلا دون ذلك، لذلك تركز جهدهم العسكري على مهاجمتها، وكان انتصار الأنجلو سكسونيين منهم في الحرب العالمية الأولى على دول المحور (الذي كان العثمانيون جزءا منه) فرصة ذهبية للقضاء عليها.
لم يشأ الأوروبيون إضاعة تلك الفرصة فقاموا بتقسيم هذه الدولة لشرذمتها ومنع عودتها دولة قوية مرة أخرى، ولإدامة هذه الحالة أنشأوا الكيان اللقيط.
من هنا نفهم معنى قول كل من يصل الى السلطة في أمريكا أنه لو لم يوجد هذا الكيان لأوجدوه، فهو الضمانة الأنجح لإبقاء هذا الإقليم مفككا غير قادر على الوحدة، فلا يمكنه أن يشكل مصدر قوة تخرجه من دائرة التبعية الكاملة للغرب.
لذلك ومنذ انشاء هذا الكيان، لم تنعم المنطقة بأي استقرار، ففي كل عام أو عامين، يفتعل مشكلة ليشن عدوانا، وهو يفعل ذلك لمصلحته، لأنه قلق على الدوام من نوايا أصحاب الأرض باستعادة أرضهم، فيسعى لإبقاء الفارق العسكري بينه وبين عمقهم الاستراتيجي (الأقطار العربية) هائلا.
لكن المستفيد الأكبر من إدامة تلك الحالة هو القوة العظمى زعيمة الغرب، فمصالحها مؤمنة بلا احتلال، وسيطرتها المستتبة على هذه المنطقة تؤمن سيطرتها على العالم، شرقا وغربا، والأكبر من كل ذلك هو استعمارها غير المعلن لأوروبا، فهي مهيمنة عليها اقتصاديا وسياسيا، وبصورة لا تقل عن الهيمنة على بلدان الشرق الأوسط.
هكذا تؤمن زعيمة الغرب مكانتها التي لم تبلغها أية قوة عظمى في التاريخ، وهذه الحالة لا يمكنها التفريط بها، لذلك فدعم هذا الكيان بسخاء وبلا حدود استثمار مربح لأمريكا، وتستغله لمنفعتها، وليس العكس كما يتوهم البعض، فهنالك من يقاتل بالنيابة عنها، فلا تخسر من مواردها البشرية كما كانت أيام استعمارها المباشر، ومثال عليها الحروب الفيتنامية والأفغانية والعراقية، وأما الأموال فسيعوضها تحولها من الاستعمار الى الاستحمار، وذلك يوفر لها الأموال التي تجبيها من الأنظمة الفاسدة، التي هي مجبرة على الدفع لضمان بقائها على الكرسي، فهي لإيغالها في الفساد تفتقر الى ولاء شعبها، فلا يبقيها غير الحماية الأمريكية.
من هنا يمكن تفسير الأحداث بشكل أقرب الى الحقيقة.
العدوان على القطاع والإيغال بدماء المدنيين لم يكن بسبب الحكومة المتطرفة كما تحاول الأنظمة العربية القول، بهدف تبرئة ولي أمرها (أمريكا)، وإظهارها بمظهر المحايد، وأنها مغلوبة على أمرها بسبب سيطرة (الأيباك)، بل هذا العدوان بتحريض ودفع أمريكي، بسبب صدمتهم من اكتتشاف قدرات المقاومين وعزيمتهم في موقعة الطوفان، فأرادوا أن يكون هذا العدوان بأقسى ما يمكن ليخيف المقاومين من عاقبة رفض الخنوع كما خنعت الأنظمة، وكان استهداف المدنيين مقصودا لأجل الايقاع بينهم وبين المقاومة فينفضوا عنها، مثلما كان لإرعاب كل الشعوب العربية ودفعهم الى القنوط والتخلي عن منهج الجهاد الذي تبين أنه الوحيد القادر على قلب معادلة التفوق العسكري.
كما ان استهداف حزب الله والتصعيد باستعمال القنابل الهائلة التدمير في الأحياء السكنية، جاء بتحريض أمريكي، ودعم بالمعلومات الاستخبارية، وليس صحيحا عدم علمها بالأمر، بل أرادته لتخويف الأمة من عاقبة دعم المقاومين أو التعرض لكيانهم الكريه بسوء.
لكن ذلك لن ينفعهم إلا بتأجيل موعد سقوطه، فالباطل زهوق، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى