ما وراء الطقم!! / د . ديمة طهبوب

ما وراء الطقم!!

تفلح وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي في جذبنا للعناوين و المواضيع المثيرة و البعد عن الصورة الكلية او فهم ما يعرف بالسياق Contextو ما ينتج عنه من ربط النتائج بالمقدمات!

نرى انطباق هذا الأمر على التسريبات التي ظهرت في القراءات الأولى لتقرير ديوان المحاسبة الذي تقلص كميا على مر السنوات السابقة دون معرفة أكان ذلك جراء حل بعض قضايا الفساد العالقة أم أن بعض القضايا تسقط بالتقادم و هي لكثرتها تحتاج لاولوية في تقديمها و نشرها! نرى التركيز على بعض القضايا و الحالات الأقل أهمية، مع انه لا صغيرة في الفساد، و نسيانا و غيابا للملفات الكبرى التي يعرفها الشعب الأردني و يعرف أصحابها و لم ترد و لم يردوا في التقرير!

ان التركيز على قصة شراء طقم شاي ب ١٨٠ دينارا في احدى الوزارات و نسيان الملايين تعرف بسياسة الإلهاء diversion او سياسة أكباش الفداء escapegoats فتظهر بعض التفاصيل و كأنها اختراق معلوماتي مهم و سبق صحفي و يقدم بعض الناس كتضحية حتى ينجو غيرهم من المذبح بحسب أهميتهم و الدور المتبقي لهم قبل الإحالة على التقاعد السياسي! و في جانب اخر تضخم بنود التقشف الحكومي و يتم ابراز تقليل نفقات شراء الأثاث و السفر و السيارات!

مقالات ذات صلة

إن الإغراق في التفاصيل هدف بحد ذاته لتضخيم الجهد و بيان أهميته و دقته و لاجهاد المتابع حد الملل و ايصاله الى حالة من اللامبالاة مع كثرة التكرار في الاحداث و ترحيل ذات الملفات من عام لعام لاعوام فبعض القضايا مر عليها عشرات السنين دون تقديم حل او متابعة لملف حتى اصبح القصة ممجوجة و مكرورة يمر عليها القارىء دون اهتمام!

ان مفهوم المحاسبة لا يقتصر على رصد المشكلات بل الاهم من ذلك حلها و هو ما لا يظهر في تقارير الديوان على مر السنوات بل تراكم المشاكل و التجاوزات و تجذر الفساد يظهر كسمة واضحة في التقارير!

ان ما وراء الفساد المادي المقدم بتفاصيل دقيقة فساد قيمي و أخلاقي و اداري هو الذي أدى اليه و هو ما لا يرصده أي تقرير و لا تعالجه دائرة من دوائر الدولة فمن دخل القطاع العام فهو آمن و لا عقوبة صارمة تردع من تسول له نفسه بالتجاوز! ما الذي أوصل صغار الموظفين لهذه الحالة من الجرأة على المال العام و انعدام الأمانة لدى الكثيرين مقابل بضع دنانير لا تسمن و لا تغني من جوع سوى رؤيتهم لتسيب المسؤولين الكبار فإن لم يجد صغار الموظفين ما يستفيدون منه لجأوا الى مستودعات مؤسساتهم و باعوا ما فيها كخرداوات و ان لم يجدوا مادة ينتفعون منها لجأوا الى جداول الدوام الرسمي فاقتنصوا منها ساعات بغير حق!

إن ما غفل او تغافل عنه التقرير أكثر بكثير مما رصده و هو بتقديم هذه الحالات فقط يقدم سقفا و حدا للمطلوب متابعته و تغييره بينما تبقى الملفات الأهم في الأدراج المنسية!

إن الناظر خارج موازنة الحكومة و تقرير ديوان المحاسبة سيعرف ان هذه التقارير ما هي الا مهدئات لبيان أن عجلة الرقابة تسير، و لو بسرعة السلحفاة، و سيعرف حقائق من دراسات أكثر موضوعية فمثلا يقدم تقرير تنافسية الأردن و الذي يرصد أهلية المؤوسسات للنهوض بالاقتصاد الأردني أرقاما مختلفة و مفزعة عن البطالة التي بلغت ثلث القادرين على العمل حيث احرز الاردن بحسب تصنيف البنك الدولي مرتبة ٢١٥ من ٢١٨ دولة في مقياس نسبة قوة العمل الى اجمالي السكان كما و يظهر التقرير وجود اكثر من ٢٥٠ الف طلب في ديوان الخدمة المدنية على قائمة الانتظار ، كما و تظهر التقارير تواضع اداء الاقتصاد مقارنة بما يمكن تحقيقه و ترهل القطاع الحكومي الذي تشكل نفقاته ثلث الانفاق العام هذا غير تراجع الأردن في مختلف مقاييس التنافسية في أهم القطاعات و التي تشمل التعليم و الصحة و السياحة حتى بلغ المرتبة ٦٤ من بين ١٤٠ دولة عالميا، أما في تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي فيحتل الأردن المرتبة ١٣٧من ١٤٠ دولة في مؤشر بيئة الاقتصاد!

في ظل هذه المقاييس و الحسابات هل يمكن أن نقول أن الأفق مسدود و أن الأسوأ في انتظارنا كما يصرح البعض و ان السنوات القادمة ستكون صعبة علينا؟

هل في الوقت الذي تكشف فيه التقارير وجود ثروات بشرية و طبيعية و يدرج تقرير مؤشر الابتكار العالمي الأردن ضمن قائمة الدول الاكثر تميزا في الابتكار منذ عام ٢٠١١ و حتى الآن و يحتل الأردن المرتبة ٢٥ من بين ١٤٠ دولة من حيث توفر العلماء و المهندسين يراد للشعب ان يبقى فقيرا يركض وراء لقمة العيش حتى لا يطالب بحقوق أكبر و باصلاح اقتصادي و اجتماعي و سياسي؟!

الجواب عند من يلهوننا بالطقم لننسى الاهم و يظنون أن العقاب كاف بغير بناء و استرجاع لقيم الأمانة و النزاهة و الاحسان في نفوس الناس
الرقابة ليست فزعة سنوية في موسمها و ليست أوراقا قليلة او كثيرة أو نماذج نعبؤها أو تقارير نراكمها لتستقر بجانب سابقاتها في الادراج، الرقابة بناء بشري و قانوني و مؤسسي عندما نستكمله لن نسأل عن الطقم فقط و نحاسب على سعره او نتندر على حالنا و قلة حيلتنا و ننفس عن أنفسنا و نستعرض بطولاتنا الكلامية على صفحات التواصل الاجتماعي، الرقابة التي قرأنا عنها في التاريخ و كيف تربى الناس عليها بعد جاهلية كانوا فيها يتفننون في أكل حقوق غيرهم بالحرام، ستجعلنا نحاسب أنفسنا على قطرة الماء مخافة أن تخلط باللبن لأن رب رقباء الأرض يرانا و ان لم يرونا

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى