الحركة الاسلامية العربية: عبث اعتقال التاريخ / وليد عبد الحي

الحركة الاسلامية العربية: عبث اعتقال التاريخ
التوجهات العامة في مؤتمر حركة النهضة التونسية الأخير(20 مايو 2016) تأكيد لما سبق أن نشرته قبل أكثر من عشر سنوات( مع مركز دراسات الوحدة العربية) ، واعدت تأكيده في دراسة اخيرة( نشرتها جامعة القدس المفتوحة –فلسطين 2016) حول تكيف الحركة الاسلامية – كُرها أو طوعا- مع إيقاع التغير العالمي في كل مناحي الحياة، وأن الحركة الاسلامية العربية لا تستطيع اعتقال التاريخ لتوقفه عند لحظة معينة أيا كانت قوة الجذب الوجداني لتلك اللحظة، وقد ينبثق عن ذلك تشققات في جدران النهضة وغيرها من الحركات الاسلامية بفعل تعقيدات قوانين التكيف هذه.
وجود الحركة الاسلامية العربية هو أمر طبيعي لمجتمع لا يختزن في ذاكرته التاريخية إلا تراثا دينيا تتفاوت مستويات الوعي به لكنه يشكل قاعدة كل وعي جمعي في مجتمعاتنا، لكن المفارقة تتمثل في “اعتقال التاريخ” الذي يأبى إلا التطور والتغير والانتقال ، وهو ما عرفته كل الشعوب دون استثناء واحد رغم التباين في سرعة ايقاع هذا التغير من مجتمع لآخر، وهي الظاهرة ذاتها التي تتبدى في الحركة الاسلامية العربية، فعند النظر إلى تشكيلة هذه الحركات نجدها تتباين من منظور مغرق في الجمود بل ويحاول تعزيزه- على غرار الحركة الوهابية- إلى حركات وسطية تتباين بفعل تباين مستويات تطور مجتمعاتها كما هو الحال في تشظيات الاخوان المسلمين في مختلف الدول العربية، وصولا لحركات اسلامية ليست إلا تطورا للنمط الأول أو الثاني متأثرة بالبنية الاجتماعية الحاضنة لها.
إن الانخراط في التفاعل مع المجتمع الدولي يعني لأية حركة سياسية إما أن “تأخذ وتعطي” مع المجتمع الدولي ، وهو ما يعني أنها ستضطر للتخلي عن الكثير من قواعد عملها بحكم التوازنات الدولية، أو أن تنعزل عن تفاعلات هذا المجتمع الدولي وهو ما يعني الانتحار الفوري.
لكن طغيان ” المصالحات الذهنية” كما يقول المناطقة أوحى لبعض القيادات الاسلامية ولنسبة كبيره من جمهورها أن النموذج التاريخي صالح لكل زمان ومكان ، مغفلة أن هناك حوالي 68 ألف شبكة تنظيم دولي (منظمات دولية حكومية وغير حكومية سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وثقافية) تنسج يوميا عشرات آلالاف من التفاعلات بين المجتمعات ، مما يفرز معطيات تعكس مصالح الأطراف المختلفة لا مصلحة طرف واحد.
إن العالم حاليا يشبه بناية فيها خمسون طابقا، وفي كل طابق أربع شقق، وفي كل شقة تسكن اسرة من مجتمع مختلف، والعمارة تحتوي على حوالي 200 أسرة كل منها ينتمي لثقافة أو دين أو مجتمع مختلف عن الآخرين، فلا بد بعد خمسين أو مئة عام من تبلور ثقافة ومصالح ومفاهيم مشتركة، بل وسيتزاوجون وينجبون أطفالا “هجين”…والعالم حاليا كهذه البناية، بينما سابقا كان الترابط محدود للغاية فبقيت الخصوصيات هي السمة الأعم..
وطبقا للمنظور البنائي ، فإن هوية المجتمع ومصالحه تتحقق بفعل شبكة التفاعل المتواصل مع الآخرين، وحدود أي نظام او نسق اجتماعي او سياسي هي حدود تفاعلاته، وإذا كانت العولمة تذيب تدريجيا الحدود السياسية (من خلال الضعف المتواصل لدور الدولة وتخليها التدريجي عن وظائفها التقليدية) والحدود الاقتصادية( حيث اصبح السوق الدولي هو دورق التفاعل الذي تنظمه منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية..الخ) والعسكرية( حيث تندمج عسكريا دولة مثل تركيا الاسلامية مع ألمانيا البروتستينية وفرنسا الكاثوليكية و13 اتفاقية أمنية مع اسرائيل اليهودية..الخ) والثقافية والعلمية( حيث اصبحت اليونسكو أقرب لوزارة التعليم العالي العالمية) والبيئية حيث لا يوجد أوكسجين اسلامي وآخر مسيحي ودرجة حرارة بوذية وأخرى كونفوشية…الخ من نطاقات التفاعل التي ستنتهي لنوع من النسيج الجديد بحكم هذه التفاعلات بكل ما فيها من مستفيد ومتضرر شان كل تفاعل، وهو ما سيدفع لهويات جديدة ومصالح جديدة بحكم تغير اطار التفاعل واتساعه بخاصة مع تطور وسائل المواصلات والاتصالات والتي تعرف ثورة كاملة كل حوالي 25 سنة.
كنت قد كتبت قبل احد عشر سنة ، (وازددت اطمئنانا نسبيا لاستنتاجي حاليا) بأن الحركات الاسلامية ذاهبة نحو مزيد من التكيف –كرها او طوعا- مع الثقافة العالمية (في النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية) من ناحية ، ونحو انقراض حركات اسلامية أخرى تصر على اعتقال التاريخ من ناحية أخرى وكأننا أمام داروينية اجتماعية وسياسية.
وإدراك الصورة السابقة امر غير ممكن إذا تسمرت النظرة عند واقعة معينة أو لحظة محددة، بل لا بد من التركيز على الاتجاهات العظمى لتحديد ذرى المنحنيات التاريخية، ثم الوصل بين هذه الذرى لإدراك المسار التاريخي، وهو ما يشير إلى ان الفترة من 2020-2025 ستعرف تحولا عميقا جدا في بنية الحركة الاسلامية لصالح المنظور العالمي ، وهو ما أراه وما كتبته..لكن ” ربما” تبقى شاخصة..ولو إلى حين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يعني الاستاذ معجب بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي اثبتت التجارب انهما لا يصلحان انموذجا لانهما اداة لتفقير الشعوب وتدمير المجتمعات بدون وجود اي ضمانة للحقوق وزيادة على ذلك أن هذه الشعوب هي ترزح تحت نير الدكتاتوريه ومع هذا تصنّف تلك الدول على انها اقتصاديا ناجحه….اي هبل واي تحليل هذا الذي خلط الامور كلها ويريد تشويه الحقائق. ارجو أن لا تكتب لعشر سنوات اخرى فنحن لسنا بحاجه لتجريب العمليات التي جربت من قبل واثبتت فشلها….يكفينا تنظير من اصحاب المصالح الآنيّيه.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى