الحال المايل

#الحال_المايل
د. #هاشم_غرايبه
منذ قرن ونحن نسمع معزوفة خداع الإنجليز للعرب، حينما اعتقدوا أن موالاتهم للتخلص من الحكم العثماني سيحقق لهم الاستقلال والتقدم.
لو كان ذلك الأمر خديعة واستغفالا، أما كان الأولى بعد انكشافها وثبوت أن ذلك كان انتقالا الى الإستعمار الحقيقي، أن ينتفض الملدوغ من غفلته؟
إن مطالعة صحيفة “القبلة” التي كانت تصدر في مكة بدعم نظام الخديوي في مصر، تبين كم كانت تلك الصورة من الإنبهار بالإنكليز وحلفائهم الأوروبيين واضحة، لذا فلم تكن هنالك خديعة بل تبعية وقبول بما يملونه.
ما يؤكد ذلك أن المخدوع لا يمكن أن يبقى مائة عام غافلا، لذا فالخديعة الحقيقية هي للشعوب، لكي تعتبر استبدال الإستعمار الأوروبي بحكم الدولة العثمانية استقلالا.
ورغم وجود معاهدات هيمنة استعمارية الى اليوم تحت مسمى اتفاقية تحالف او سلام أو تنسيق أمني، إلا أن أنظمة (سايكس- بيكو) المجزأة التي أقامها ذلك الإستعمار لتحكم سائر البقعة التي كانت موحدة تحت حكم العثمانيين، تعتبر نفسها مستقلة وأنها تمثل الأمة.
ما معنى الإستقلال إن لم يكن تملك الشعب لمقدراته وبناء اقتصاده الوطني غير المعتمد على القروض والمساعدات؟
وما معنى التحرر إن كان محظورا على أبناء الوطن اتباع منهجهم الذي اختاره الله لهم، ويحاكمون بتهمة الإرهاب إن أقاموه، ويفرض عليهم مناهج الغرب الدخيلة على ثقافتهم وقيمهم ونمط معيشتهم؟.
وما هذا التضليل الذي يمارسه أزلام هذه الأنظمة المنتفعون من فسادها، بفصل منهج الله عن الحياة، وابقائه كتراث يحفظ في خزائن الآثار، واتباع منهج الغرب بدعوى أنه الأصح وأنه الذي يحقق التقدم!؟.
دعوتهم باطلة وحجتهم مردودة، فها هم حكامنا علمانيون جميعا، ليس بينهم إسلامي واحد منذ مائة عام …ماذا حققوا من تقدم ومن عزة وكرامة للأمة؟.
كلهم سواء في النتيجة: القطر القوي تاريخيا بإمكاناته الذاتية الغني بثرواته، كالجزائر وليبيا والعراق، نهبوه وأفقروه ورهنوا قراره بالمستعمر وجعلوا أعزة أهله أذلة.
والدول الثرية كدول الخليج لم ينعكس ثراؤها قوة ومنعة للبلد بل أرصدة للأمراء والملوك، واقتصر ازدهارها على مظاهر الترَفِ الفارغة، والتطاول في البنيان، والتي هي بلا قيمة حضارية ولا علمية، فأبقوا بلادهم في تخلف تقني وتصنيعي وزراعي، ومسيجة بالقواعد العسكرية الغربية .. أي احتلال مدفوع الكلفة.
وأما الأقطار الفقيرة منها، فلم يكن فقرها بسبب ضعف الموارد ولا قلة الإمكانيات البشرية، والدليل هو انتفاخ جيوب الحكام، فالحد الأدني لثروة أي منهم وعائلته هو سبعون مليارا، فأذهب فسادهم قيمة إبداعات المواطنين وتفوقهم بدل استثمارها في نهضة البلد، فهاجروا الى الغرب ونفعوه بمواهبهم بدل نفعهم أمتهم.
هكذا هي الأنظمة العربية التي تغطت بعباءة القومية حينا وبالإشتراكية حينا آخر أو أقرّت برجعيتها وعمالتها للغرب..
ومع أن مشاربها مختلفة، فمنها ما سمى نفسه ممانعا، والأخرى معتدلا، لكنها مجرد تسميات لا تعني شيئا، تراها متباغضة متحاسده، فرغم أنها متوافقة على الولاء للغرب واتباع منهجه العلماني وممانعة منهج الله، إلا أن بأسها بينها شديد، لكنها لعدوها خانعة، لا يجمعها معا أو يفرقها مصلحة الأمة، بل قرار سيدها المطاع (أمريكا)، ولا تشغلها مصلحة شعبهاعن وظيفتها الوحيدة وهي منع عودة المنهج الإسلامي.
هذا هو تفسير استمرار منهج الخداع الذي يتبناه ثلاثة فرقاء تراهم مختلفين، لكنهم في النتيجة هم من يحافظ على بقاء الوضع المأسوي الراهن، ويحمي الأنظمة:
الأول: فئة الليبراليين الذين يسمون أنفسهم حداثيين تنويريين.
الثاني: فئة التقدميين (القوميساريين) والذين مع أنهم لا يؤيدون عمالة الأنظمة للغرب، لكن خوفهم من قيام نظام بمنهج إسلامي بديلا لهم، يدفعهم للدفاع عن تلك الأنظمة أكثر من الراعي الغربي، وقد أثبتت أحداث سوريا ومصر ذلك.
الثالث: فئة من الإسلاميين ضالة، أنشأتها المخابرات البريطانية في الجزيرة العربية، ثم استنسخت مخابرات الأنظمة منهم نسخاً في باقي الأقطار، ودربتهم لاختراق الدين بخلط الجهاد بالإرهاب، بهدف الحيلولة دون نهضة إسلامية تستعيد دور الجهاد، وظيفة هؤلاء حماية الأنظمة العربية العميلة، بذريعة طاعة ولي الأمر “ولو سلب مالك وجلد ظهرك”.
هذه الحالة متناقضة مع ذاتها، لا يبقيها قائمة غير ضعف الأمة، ومتى ما شحذت الفرسان همتها سيتساقط كل ذلك ويزول الغم وتعود أمتنا لتحطم الأوثان من جديد.. كما حطمتها أول مرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى