أزمة “المعلمين الأردنيين”… كواليس الشهور الأخيرة

سواليف – هديل الروابدة

على مسافة أمتار من المنصة التي تحدث منها رئيس الحكومة الأردنية بشر الخصاونة صباح أمس الأحد، أمام ممثلي الشعب تحت قبة البرلمان، عن استعداد الحكومة “للحوار لتطوير الحياة السياسيّة والمسيرة الديمقراطيّة”، كان معلمون ينفذون وقفة احتجاجية ضد إحالة العشرات منهم على التقاعد المبكر والاستيداع، وحلّ مجلس النقابة بقرار قضائي صدر الخميس الماضي.
كواليس!
قبل صدور القرار القضائي بحلّ مجلس نقابة المعلمين الأردنيين، والحكم على أعضائه بالحبس لمدة عام، وبعد إحالة عشرات المعلمين على التقاعد المبكر والاستيداع، كثّف نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة منذ أفرج عنه في أغسطس/ آب الماضي، جولات استباقية لأي إجراءات حكومية متوقعة، فالتقى خلالها شخصيات وطنية وسياسية وازنة، أبرزها عبد الرؤوف الروابدة، وطاهر المصري، وخالد الكركي، وطاهر العدوان.
الروابدة والمصري حاولا، منذ بداية الأزمة في سبتمبر/ أيلول 2019، تعبيد الطريق لانفراجة لم ترَ النور. فيما أظهر الكركي، الذي كان شاهداً على ولادة النقابة بعد مخاض عسير عام 2011، مرونة تجاه دعوة الوساطة، عقب انتهاء الانتخابات النيابية والتصويت على الثقة بحكومة الخصاونة واستقرار المشهد السياسي عموماً، غير أن قرار المحكمة سبق التدخلات.
بالتوازي مع ذلك، وجه أعضاء مجلس النقابة طلباً رسمياً إلى رئيس الوزراء بشر الخصاونة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، للحوار أملاً في الحل، بيد أن الرئيس لم يرد على الطلب حتى اللحظة. فيما يمتنع وزراء حاليون عن الرد على أي من أعضاء مجلس النقابة، وفقاً لما أفاد به أحدهم.
في ضوء ذلك يقفز التساؤل: إذا كانت أزمة المعلمين العابرة لحكومتي عمر الرزاز وبشر الخصاونة أكبر من قدرة الرئيسين على احتوائها، فمن المسؤول عنها وعن تفاقمها إذاً؟
عَيْن الرئيس على الثقة. وزراء قلة يعملون بجدية، في مقدمتهم وزير الصحة نذير عبيدات. آخرون يتدافعون للظهور الإعلامي على أكتاف أزمة كورونا وسط آلية عمل غير متجانسة، وتضارب في التصريحات وتدوير الوعود، فيما تغيب بقية الفريق عن الساحة تماماً.
يحمّل النائب السابق في البرلمان الأردني، المهندس خالد رمضان، المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية في تفاقم أزمة المعلمين لحكومة الخصاونة.
إنكار لأزمة متفاقمة
“هناك حالة إنكار لأزمة تتفاقم في البلاد، فيما يغيب عقل يجري التفاوض معه من أجل تسويات حقيقية لحل الأزمة، والحفاظ على كينونة نقابة ليست طارئة في الأردن، بل جذورها ضاربة في التاريخ منذ خمسينيات القرن الماضي، ومرت بعدة مراحل قبل صدورها بقانون، وبعد فتوى المجلس العالي لتفسير الدستور، بدستوريتها”، يقول رمضان.
ويضيف أن “المركز الأمني السياسي الحاكم في الدولة يضرب عُرض الحائط بكل الاعتبارات الشعبية والعملية الحزبية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وسط حالة غياب حقيقي لمفهوم الولاية العامة للسلطات التنفيذية والرقابية والتشريعية لمجلس الأمة”.
وأعرب رمضان عن خوفه على الدولة قبل النقابة، على وقع ما وصفه بـ”القفز الواضح عن مفهوم نيابي”، الوارد في تعريف نظام الحكم “نيابي ملكي وراثي”، والاستخفاف بمؤسسات الشعب بالاتكاء على حالة الفقر والجوع والإحباط والجوائح في المملكة”.
مبررات السلطة
في المقابل، يبدي مسؤولون سابقون تفهمهم لما وصفوه بـ”مبررات السلطة”. رئيس ديوان ملكي أسبق برر حرص السلطة على هيبة الدولة، قائلاً: “النقابة أخطأت في إدارة الأزمة في بدايتها، خصوصاً بعد جملة النقيب الشهيرة (نحن الدولة)”، في فيديو اجتزأه وروّجه – ابن حلال – واعتُبر تحدياً للدولة، غير أنه يدعو السلطة إلى “توسيع صدرها” واللجوء إلى الحكمة لحلها.
كذلك وثقت شهادات لشهود عيان في أثناء إعداد التقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان ما وصفوه بـ”استفزاز بعض المعلمين لأفراد من الأجهزة الأمنية” خلال اعتصامات أيلول 2019، وفقاً لأحد القائمين على إعداده. فيما يسأل مسؤول سابق: “لماذا لم يتوجه مجلس النقابة إلى توسيط الحكماء في الدولة قبل تنفيذ الإضراب ووقوع الفأس بالرأس؟”.
وبين الرأيين، يغيب عن بال السلطات المسؤولة عن استقرار البلاد والعباد مصير أكثر من 140 ألف معلم وعائلاتهم، بعد جملة قرارات انهالت على رؤوس عشرات المعلمين أخيراً.
رأي دستوري
يرى الخبير الدستوري والقانوني، المحامي عمر العطعوط، أن الفرصة لا تزال متاحة أمام الحكومة، لتتحاور مع مجلس النقابة على أمل الوصول إلى اتفاقات جديدة، ووضع آلية لتنفيذ اتفاقيات الحكومة السابقة، فالحكم القضائي الأخير غير قطعي ولا نهائي، وليس واجب التنفيذ حالاً، لافتاً إلى أن دفع المشهد باتجاه التأزيم ليس في مصلحة أحد في البلاد.
لماذا لا تتراجع النقابة؟
لا نحتاج إلى أكثر من مطالعة سريعة لتقرير منشور على موقع حبر بعنوان “إحالة معلمين للتقاعد المبكر والاستيداع: كيف تستخدم الحكومة القانون؟”، لنكتشف أن الأزمة في حقيقتها وبعيداً عن محاولات التسييس، مطلبية وحقوقية لمواطنين باتت أوضاعهم المعيشية على “كف عفريت” بعد انخفاض مداخيلهم الشهرية. بالمقابل، إن القروض والضرائب وأقساط الجامعات والمدارس، وفواتير الكهرباء وأسعار البنزين والأدوية والأغذية، لا تزال ثابتة كصخرة على الصدور.
هل يجرؤ أحد في البلاد على أن يطلب من المعلم منذر الجبارات – مثلاً – الذي قلّص الاستيداع راتبه من 700 دينار إلى 75 ديناراً شهرياً لأربع سنوات قادمة، أن يكفّ عن الاعتصام حرصاً على الأمن والأمان؟! هل يجرؤ أحد على منع أردنيين يعانون الظروف ذاتها بدرجات متفاوتة من الالتفاف حول النقابة تعاطفاً وتضامناً؟! أنا شخصياً لا أجرؤ!
يحدث هذا كله أمام أعين وسائل إعلام “مكتومة” وعلى مشارف مئوية تأسيس الدولة.
وسط تجاهل لما وثقته تقارير مؤسسات النزاهة والمحاسبة وحقوق الإنسان من فساد وانتهاكات موجعة للمال العام، واستغلال السلطة، وكتم الحريات وتجاهل نبض الشارع المقهور… مثلت جميعها المعنى الحقيقي للتعدي على هيبة الدولة وثوابتها، بشراسة لا ترحم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى