الثورة المختطفة “
مهند أبو فلاح
تحل في هذه الايام الذكرى السنوية الحادية و الستين لثورة الثامن من آذار/ مارس المجيدة في القطر العربي السوري و التي قادها بكل كفاءة و اقتدار حزب البعث العربي الإشتراكي ضد نظام الانفصال الذي قام في سورية في الثامن و العشرين من ايلول / سبتمبر من العام 1961 .
إن هذه الثورة المجيدة في القطر السوري تعرضت للاختطاف على يد طغمة طائفية في الثالث والعشرين من شهر شباط/ فبراير من العام 1966 مما أدى إلى حرف هذه الثورة عن مسارها و تشويهها في أعين العديد من أبناء شعبنا العربي الحر الأبي في هذا القطر الاصيل .
لقد تعرض حزب البعث العربي الإشتراكي منذ نشأته إلى العديد من المؤامرات الهادفة إلى إجهاض و وأد احلام و طموحات الأمة العربية المشروعة في الوحدة و الحرية و الاشتراكية و قد عبر عن ذلك صراحةً مؤسس الحزب الاستاذ أحمد ميشيل عفلق رحمه الله تعالى في العديد من المناسبات و كانت إحداها في تموز / يوليو من العام 1970 .
في تلك المناسبة ألقى الاستاذ عفلق كلمة تاريخية قال في مطلعها
” الملاحظة الأولى التي أريد أن أذكركم بها هي انه توجد مؤامرة تاريخية على حزب البعث لم تبدأ اليوم ولا قبل سنوات وإنما من سنين طويلة، منذ ان اتضح لأعداء الأمة العربية ولذوي المصالح في هذه المنطقة، لذوي المصالح الأجنبية طبعا، وللرجعية العربية مدى واقعية هذا الحزب ومدى تجاوبه مع الحاجات التاريخية للأمة العربية في هذا العصر، منذ ذلك الحين بدأت المؤامرة ثم اتسعت ودخلت فيها عناصر جديدة وكانت تتجدد في مظاهرها وأشكالها ولكنها تبقى واحدة في أساسها وتصميمها وأهدافها الأخيرة، مؤامرة على حزب البعث أي مؤامرة على يقظة الأمة العربية في هذا العصر وعلى ثورتها و انطلاقتها، أي مؤامرة على وجود الأمة العربية “
الحقيقة التي لا مناص من الاقرار بها هي أن جذور المؤامرة التاريخية على حزب البعث ترجع إلى ما قبل تأسيس الحزب في السابع من نيسان/ ابريل من العام 1947 و تعزى بالمقام الاول إلى الجهود النضالية الجبارة التي قام بها مؤسسو البعث من الرعيل الاول و على رأسهم الأستاذ عفلق في مقارعة القوى الاستعمارية الأجنبية الجاثمة على صدر الشعب العربي لاسيما خلال مرحلة الحرب العالمية الثانية و ما تلاها .
هنا لا يمكن تجاهل تأسيس حركة نصرة العراق في العام 1941 في دمشق الفيحاء لحشد الجهود و تعبئة الطاقات لدعم و اسناد ثورة رشيد عالي الكيلاني في بلاد الرافدين المناهضة بقوة و عنف للإمبريالية البريطانية في أوج الحرب الكونية الثانية ناهيك عن معارضة المعاهدة الأردنية البريطانية المبرمة في العام 1946 بعد أن وضعت تلك الحرب الضارية أوزارها عبر برقية مرسلة من قبل الاستاذ عفلق إلى أول امين عام لجامعة الدول العربية في القاهرة المرحوم عبد الرحمن عزام باشا .
النشاط المحموم الذي قام به الاستاذ عفلق انطلاقا من القطر السوري ضد القوى الغربية المهيمنة على مقاليد الأمور و زمامها في المشرق العربي اثار قلق تلك الدوائر الاستعمارية المعادية للأمة العربية المجيدة خاصة تلك التي أدركت خطورة هذه الأنشطة التي استندت إلى قاعدة فكرية عقائدية صلبة قائمة على الربط العضوي الوثيق بين العروبة و الاسلام و العلم و الايمان كما اتضح بشكل جلي في محاضرة الرفيق القائد المؤسس التي ألقاها في جامعة دمشق في الخامس من نيسان / ابريل من العام 1943 و التي حملت عنوان ” ذكرى الرسول العربي ” بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف .
حملت كلمة الاستاذ عفلق في طياتها معاني و دلالات عميقة لم تكن لتغفل عنها الأوساط الإمبريالية الغاشمة المناهضة لروح النهضة العربية الوثابة لا سيما في ظل الزلزال العنيف الذي أحدثته في سورية بعامة و دمشق بخاصة حالة الاعجاب و الذهول الذي وصل إلى حد الهوس العاطفي الجنوني بها .
للتدليل على أهمية كلمة الاستاذ عفلق تلك يكفي الإشارة إلى شهادة اثنين من أبرز شهود العيان الذين حضروا هذه المحاضرة و استمعوا إليها عن قرب أما الأول فهو رئيس الوزراء الأردني الأسبق الراحل الدكتور عبد السلام المجالي في كتابه المعنون ” من بيت الشعر الى سدة الحكم ” والصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت بطبعته الاولى عام 2003 ميلادي .
أما الشخصية الثانية فهو الراحل جهاد ضاحي وزير المواصلات السوري الأسبق و الذي شغل هذا المنصب مباشرة في أعقاب الثورة المخطوفة في 8 آذار 1963 و أحد أبرز مؤسسي حركة القوميين العرب في مطلع خمسينات القرن الماضي و الذي تحدث بإسهاب عن اعتناقه الاسلام بتأثير مباشر من خطاب الرفيق عفلق في كتاب حمل عنوان ” حركة القوميين العرب النشأة التطور المصائر ” للباحث العربي السوري الحلبي محمد جمال باروت الصادر في طبعته الاولى عن المركز العربي للدراسات الاستراتيجية في بيروت عام 1997 .
على ضوء ما تقدم لم يكن مستغربا على الاطلاق أن تعمد القوى الإمبريالية المجرمة إلى التآمر على البعث و محاولة ضربه في الصميم و اختطاف ثورته المغدورة في القطر السوري و هذا ما أشار إليه الاستاذ عفلق قبيل الردة الشباطية و تحديدا بتاريخ 18 كانون الثاني / يناير من العام 1966 حيث قال بالحرف الواحد ” لقد تبدلت صورة هذا الحزب وتبدلت نفسية أعضائه وإذا كان التعميم غير جائز فان هذا يصح على الكثيرين.. تبدلت معالم هذا الحزب لا بل بُدلت وفق مخططات وتصميم وعمل دائب، حتى يتحول هذا الحزب في عقيدته وفي سياسته وفي تنظيمه وفي أخلاقيته، وزيادة في التضليل وفي الإجرام بحق الأمة العربية احتفظ باسم الحزب.. باسم الحزب الذي هو معروف لدى الشعب العربي منذ ربع قرن بوحدويته وثوريته ونظافته وبتميزه عن كل ما سبقه، حتى تطعن الأمة في أملها، في ثقتها بنفسها، في عقيدتها القومية الاشتراكية، ولكي يعم اليأس ” .