هذا بيان للناس / د . عطاالله الحجايا

هذا بيان للناس

في مؤتمره الصحفي الاتهامي الذي أقسم فيه وزير التربية والتعليم أيمانا أكثر مما قدّم من حجج وبراهين ،والذي هدد وتوعّد ،وأرعد وأزبد فيه أضعاف الحجج التي قدّمها ،وأمام سيل التدليس والتلفيق وتزوير الحقائق ومحاولة التأثير على الرأي العام ،والاستعانة بفيلق من الإعلاميين الذين أخفقوا في طرح الأسئلة ذات المساس المباشر بجوهر التغييرات التي طرأت على الكتب المدرسية ، نجد لزاما علينا أن نضع الأمور في نصابها ، ونستل الحقائق من قرابها ، معاهدين الله ، وأبناء شعبنا أن لاتمرّ مفسدة الوزارة ومن خلفها ، أيّا كانت كُلف الحقيقة ، وأيّا كانت الوسيلة والطريقة .
وقبل الخوض فيما ساقه الوزير في مؤتمره الأحادي ، فأرجو أن أضع الرأي العام والمختصين ولجان الإشراف والمهتمين أمام جملة من الحقائق معتذرا عن الإطالة التي اقتضتها الضرورة .
أولا: حقيقة التغييرات
كانت المناهج والكتب المدرسية دائما هدف دعاة التغيير والراغبين بتغيير اتجاهات المجتمع وأنماط التفكير فيه ، وقد بدأت قوى ضاغطة (دولية ،أو قوى محليّة صاعدة كالعلمانيين وبعض الالحاديين ودعاة التغريب في الفكر والثقافة) تدعو إلى تغيير الكتب المدرسية ،فعقدت المؤتمرات العلنية والسرية ، وخرجت الدراسات المتعددة . وتحت وهم دراسات علمية كان جلّها ينتهي إلى نتائج وضعت بصورة فرضيات مسبقة أهمها أن الكتب المدرسية :
أ- تغذي الإرهاب وتنّمي الفكر المتطرف .
ب-تتنكر للآخر ولاتؤمن بدوره،ولاتبرز حضوره
ج- تضطهد المرأة وتكرّس صورة نمطية لها تجافي الواقع.
د- تزرع الكراهية بين الطلبة وتنمي روح العداوة والعنف لديهم .
وقد كانت هذه التوصيات تقدم بعد كل مؤتمر وتطالب وزارة التربية بمعالجتها في كتبها ، وكان أعضاء المناهج يكتشفون أن جلّ ماذكر في هذه الدراسات غير دقيق وغير علمي فكانوا يلقون بهذه التوصيات خلف ظهورهم ، فابتدع أولئك اسلوبا جديدا للعبث بالمناهج تحت غطاء عنوانين براقة ومفاهيم معاصرة من مثل :
أ- إدخال مفاهيم حقوق الإنسان
ب- إبراز النوع الاجتماعي
ج- إدماج مفاهيم حقوق المرأة والطفل في المناهج
د- العمل على مشاريع التربية السكانية وغيرها.
لقد كانت غاية هؤلاء هي القيم الدينية والقومية والقضية الفلسطينية ، واجتهد هؤلاء تحت غطاء عدد من المشاريع لتخفيف وخفض التعليم الديني ، وتسطيح تعليم العربية وحصرة بلغة تواصلية سطحية مع التركيز على مفهوم اللغة الوظيفية التي لايمكن أن تخلق تميزا أو إبداعا لدى متعلميها لغياب النموذج المشرق ، ليقينهم أن العربية والقرآن متلازمان وعندما لايتقن الناشئة العربية سيصبح القرآن بعيدا عن أفهامهم عصيا على عقولهم فيحققون بذلك هدفهم بخلق القطيعة بين الجيل والقرآن الكريم.
لقد انتهت هذه المؤتمرات إلى أن مناهج التربية الاسلامية واللغة العربية والتاريخ والتربية الوطنية هي الكتب التي تحمل القيم وتنمي الاتجاهات وتعزز الروح الدينية والقومية في نفوس الطلبة فاتجهت أنظارهم إليها بالدراسات والدعوة للتغيير وخفض الجرعة الدينية – – بحسب مصطلحاتهم- في هذه الكتب .
وكانت ابرز محاور مشروعهم تتمثل بالآتي:
التربية الاسلامية
– التدرّج بتقليص موضوعات ىالتربية الاسلامية وانتقاء موضوعات هامشية وثانوية في الثقافة الاسلامية،والتركيز عليها ،فاستهدفوا السيرة النبوية وجهاد السلف الصالح وسيرتهم ، وابتعدوا عن الموضوعات ذات الأفق الجمعي وحصر قضايا الدين بالمعاملات والشؤون ذات الصبغة الفردية مما يأخذ متعلّم هذا المنهاج باتجاه “كهنوتي” تغيب فيه قيم الأمة والجماعة لصالح الفردية وهلوسات المتصوفة والأحباش فلم يعد الحديث عن الجهاد ، وغزوات النبي إلا كحادثة تاريخية معزولة عن واقع الأمة وحاضرها البائس.

اللغة العربية
– أما اللغة العربية فقد كانت أكثر المباحث استهدافا حيث بدأ التخطيط لمسخ كتب اللغة العربية حينما تبين لهم أنها أكثر الكتب ترسيخا للقيم والاتجاهات غير المرغوبة لديهم وهي بمحمولها الديني والفكري والأدبي تستقر بوجدان الطالب وروحه ، فعمدوا إلى :
أ- التخلّص التدريجي من الشواهد القرآنية في تعليم النحو العربي فمثلا في كتاب التاسع- انخفض عدد الشواهد القرآنية في المتون والتمرينات مما يقارب الأربعين موضعا إلى ثلاثة مواضع فقط .
ب-الاعتماد على الشواهد والجمل والمصنوعة التي لاتحمل قيما واتجاهات ولاتستقرّ في ذاكرة الطالب.
ج- تسريب النصوص ذات المضامين السطحية وحذف النصوص التي تنمّي الاتجاهات الايجابية
د- تسريب نصوص ذات بعد مناقض لماهو مستقر من الدين ، أو نصوص ذات أبعاد تعتمد روايات غير اسلامية للأحداث كمسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم التي تعتمد على الأساطير اليهودية.
هـ- -تسريب نصوص متوافقة مع الأساطير الصهيونية حول الهيكل كنص “الحمامة والحسون” لجبران ، إذ يكفي أن يألف الطالب فكرة الهيكل المدفون ليتقبل فكرة هيكل اليهود المزعوم.
و- التخلّص من الأشعار العربية التي تتحدّث عن بطولات السابقين وجهادهم ” حذف قصيدة فتح عمورية نموذجا”
ز- إبراز نصوص الحب والغزل كمجنون ليلي وجميل بثينة تحت ذريعة إبراز قيم الجمال والحب .
ح- التخلّص التدريجي من الأشعار التي تتحدث عن بطولات الشعب الفلسطيني وجهاده ضد الصهاينة ” لم يبق في المناهج سوى نص أو نصين يدرسهما الطالب على مدار اثني عشر عاما ، وسيحذفان عند أو حملة تعشيب قادمة.

التاريخ والتربية الوطنية
انصب اتجاه التغيير في التاريخ والتربية الوطنية على :
أ- تقليص الحديث عن التاريخ العربي والاسلامي لحساب تاريخ اليونان والأغريق والفراعنة ، حتى أصبح الحديث عن الزراعة في عصور الفراعنة أكثر أهمية من مشاكل المزارعين في غور الأردن .
ب- تجاهل القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني ،والمرور على مؤتمرات الصهاينة مثل مؤتمر بال أو وعد بلفور مرورا لايكشف عن حقيقة ماحدث فيهما.
ج- تجاوز خروج العرب من الأندلس وفضائع محاكم التفتيش.
دـ- تقليص الحديث عن آثار الاستعمار الأوروبي للعالم العربي ،وتجاوز الحديث عن حركات التحرر العربي .
هـ- تجاهل حرب الخليج والعدوان الفارسي ،والغزو الأمريكي للمنطقة وآثاره الكارثية على الأمة.
و- حذف الشواهد القرآنية من كتب التربية الوطنية والتاريخ بالكامل .
والنموذج التالي يبين ما أحدثوه على كتاب التربية الوطنية والمدنية للصف التاسع الاساسي الجزء الاول والثاني كنموذج لتقصي النص القرآني في الكتب المدرسية :
– تم حذف الاية 13 من سورة الحجرات والتي تبين حق المساواة.
– حذف الاية رقم 105 من سورة التوبة والتي تبين حق العمل.
– حذف الاية رقم 195 من سورة آل عمران والتي تبين حقوق المرأة في الاسلام.
– الجزء الاول صفحة 23 تم حذف نشاط يبين الدور المهم الذي قامت به المرأة في تاريخ الدولة الاسلامية.
– حذف الاية رقم 32 من سورة النمل والتي تبين الشورى قبل الاسلام.
– حذف الاية رقم 159من سورة آل عمران والتي تبين الشورى في الاسلام.
– حذف الاية رقم 13 من سورة الحجرات والتي تبين حق المساواة والتعددية.
– تم حذف الاية رقم 13 من سورة الكهف والتي تبين الصفات الايجابية في الشباب.
– حذف الحديث النبوي الشريف والذي يبين الصفات الايجلبية في الشباب.
– حذف الاية رقم 90 من سورة المائدة
– حذف الاية رقم 105 من سورة التوبة والتي تبين حق العمل.
– حذف الاية رقم 165 من سورة الانعام والتي تبين اهمية العمل.
– حذف الاية رقم 31 من سورة الاعراف والتي تبين ترشيد الاستهلاك.
وهذا في كتاب واحد لصف واحد كنموذج للتدليل على حجم التتبع الذي أنتهجه المطورون في حذف النصوص القرآنية .

الأبعاد التربوية للتغيير

استهدف التغيير الذي جرى على المناهج الطالب الذي يدرس هذه المباحث لاحلال قيم واتجاهات جديدة لديه بديلا لما كانت تهدف إليه الكتب السابقة وابرز مايتوقع من نتائج :
– إضعاف تأثير الدين على حياة الناشئة
– خلق قطيعة معرفية بين الطالب ودينه وارثه الثقافي والقومي .
– إحلال ثقافة جديدة منبتة عن تاريخه العربي الاسلامي .
– تمييع الجيل وقتل روح الطموح لديه .
– نشر ثقافة الاستسلام والقبول بالواقع المهزوم للأمة .
– إعلاء شأن النموذج الغربي وتغييب النموذج الإيجابي في الثقافة العربية .
– القبول بفكرة التعايش مع العدو الصهيوني والايمان بتفوقه.
– نزع فكرة المقاومة والتحرير والنظر إليها بوصفها أعمالا إرهابية .
– احترام ثقافة الآخر وازدراء ثقافته وموروثه الحضاري .

ونتيجة لذلك فإن الجيل القادم الذي سيتعلم على هذه المناهج سيكون جيلا فاقد الهوية يسهل عليه القبول بشروط العيش والتعايش مع الثقافة التغريبية والقيم اللادينية .
وإذا كان واقع الأمــة المعاصر قد أجبرها على الاستسلام لمخططات الغرب وإرادته فليس من العدل أن نتخلّى عن مستقبلنا بتذويب هوية أبنائنا وإعدادهم بالطريقة التي أرادها لنا أعداؤنا .
( في الورقة الثانية مناقشة المؤتمر الصحفي للوزير والرد على ماجاء فيه بالأدلة )
( اللهم فاشهد ..اللهم إني قد بلّغت )
د. عطالله الحجايا

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك يا دكتور هذا ما حاول الوزير التهرب منه وعجزت النقابات عن تقديمه للناس لاننا نريد المعلومة العلمية منها لا من غيرها سيشهد التاريخ لك وعليهم

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى