التنافس الأمريكي الروسي في شرق سوريا
حسن أبو هنية
تحتدم المنافسة الأمريكية الروسية على تركة تنظيم الدولة في شرق سورية وخصوصا منطقة دير الزور، ففي الوقت الذي بدأت أمريكا بشن هجوم جوي ومدفعي عنيف على مدينة الرقة في 6 حزيران/ يونيو الماضي بالاعتماد بريا على قوات سوريا الديمقراطية بمكوناتها الأساسية الكردية، كانت روسيا تقوم بهجوم جوي وصاروخي أشد عنفا بالاعتماد بريا على قوات النظام السوري ومكوناته الأساسية من المليشيات الشيعية.
لا جدال أن تزامن الهجوم الأمريكي على الرقة مع الهجوم الروسي على دير الزور يكشف عن صفقة بين الطرفين كما أشار ديفيد إيغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست” في 4 تموز/يوليو 2017 بالقول: ربما تكون واشنطن وموسكو قد قسّمتا بالفعل وادي الفرات: الرقة للولايات المتحدة ودير الزور لروسيا، وحسب فابريس بالونش من معهد واشنطن فإن الوضع العسكري الحالي يؤكّد وجود هذه الصفقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي صفقة لا تعجب النظام السوري من دون شك، حيث هو يسعى لاستعادة السيطرة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات و”سد الثورة”، والرقة، ما أن يتم تحرير المدينة من قبل “قوّات سوريا الديمقراطية” ومع ذلك، إذا أراد النظام إعادة فرض نفسه في محافظة دير الزور سيحتاج إلى الدعم الجوي الروسي، وسيتعيّن عليه بالتالي الرضوخ لإرادة موسكو، وفي خطوة تظهر استعداد روسيا الواضح لتكون شريكة جدية للولايات المتحدة في سوريا، لم يردّ الكرملين بقوة على إسقاط الأمريكيين لطائرة سورية هدّدت قوات سوريا الديمقراطية قرب الرقة في 18 حزيران/يونيو الماضي.
في هذا السياق، يبدو أن الصفقة الأمريكية الروسية تنطوي على خلافات تفصيلية عديدة حسب المعلق السياسي لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” فلاديمير موخين ذلك أن الخلافات بين دمشق والتحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، بدأت تشتد مع تقدم القوات الحكومية السورية على ثلاثة اتجاهات استراتيجية نحو دير الزور، المدينة التي تحيط بها حقول النفط، والتي أصبحت هدفا رئيسا لقوات الأسد وطائرات القوة الجوية الروسية في مناطق جنوبشرق سوريا، فقد سبق أن أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” التي يشكل الكرد عمودها الفقري، أن الهجوم سيُشن على دير الزور في وقت واحد مع عملية تحرير الرقة.
هكذا، فإن الكرد المدعومين من جانب الولايات المتحدة ينوون الاستيلاء على المناطق الغنية بالنفط والغاز، وبحسب ما أُعلن عنه، سوف تتقدم وحدات “قسد” من محافظة الحسكة، حيث سيكون هدفها الأول مدينة الميادين الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الفرات، إلا أن هذه الخطة تتعارض: أولا، مع الاتفاق الروسي–الأمريكي غير المعلن، الذي ينص على قيام قوات التحالف و”قسد” بعمليات عسكرية في المناطق الواقعة شرق الفرات. وثانيا، إن تنفيذ هذه الخطط سيعوق تقدم القوات الحكومية، ما سيؤدي إلى مواجهات مع وحدات “قسد”، كما حصل عندما أرادت واشنطن بمساعدة الكرد إنشاء مواقع في منطقة مطار الطبقة لمهاجمة الضفة اليمنى للفرات، حين أسقطت طائرة أمريكية طائرة “سوخوي-22” سورية بحجة أنها كانت تهاجم مواقع “قسد”، وحينها تمت تسوية المشكلة بصفقة أمريكية روسية بدأت القوات الحكومية السورية المدعومة بطائرات القوة الجوية الروسية بالتقدم في الاتجاه الجنوبي _ الشرقي، بما في ذلك على امتداد الضفة الغربية للفرات.
رغم إصرار ترامب على توسيع استراتيجية سلفه أوباما بالتصدي لإيران إلى جانب تنظيم الدولة للحد من الأنشطة التوسعية الإيرانية في المنطقة، إلا أن هذه المقاربة تعاني من اختلالات واضحة، وتضع الخطة الأمريكية في سورية في معضلة خطرة تشي بإمكانية إندلاع مواجهة مباشرة بين واشنطن والقوات الموالية للنظام على الحدود السورية – العراقية، إذا ما أصرت طهران على إقامة ممر يمتد من إيران إلى لبنان، الأمر الذي يكشف عن محدودية الخيارات التي يملكها ترامب، فالتشديد على إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة، لا تسمح حالياً بإيجاد بديل فاعل وموثوق عن الميليشيات الكردية وهي قوات غير معنية بمعركة دير الزور، كما أنها قد تضع أنقرة وواشنطن على طرفي نقيض في اللعبة الجيوستراتيجية الكبيرة التي تلوح بالأفق في المنطقة، وهي مغامرة تهدد بتعثر عملية تحرير الأراضي في شرق سوريا وتضع واشنطن في مواجهة مباشرة مع طهران وقوات النظام السوري.
السباق العسكري نحو دير الزور يجري على قدم وساق دون وجود سياق سياسي، وفي الوقت الذي يقترب الجيش السوري من استعادة مدينة دير الزور وإمكانية إبعاد تنظيم “الدولة الإسلامية” نحو البوكمال، فإن القوات المدعومة من الولايات المتحدة لا تتمتع بقوة كافية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلاميةوالوصول إلى دير الزور قبل قوات النظام السوري الذي بدأ بدعم القوات الروسية ومساندة القوات الإيرانيةمنذ الانتهاء من جيب حلب بحملة صبورة ومنسقة منذ كانون ثاني/يناير 2017 بقصف الخطوط الأمامية لتنظيم الدولة الإسلاميةبالصواريخ من دون توقف،حيث بدأ معارك البادية وعمل على تدشين حملة عسكرية من عدة محاور بدءا من المحور الشمالي الغربي في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، المحور الغربي في ريف حمص الشرقي ومعركته المفصليّة كانت في السخنة، والمحور الجنوبي الغربي في ريف حمص الجنوبي الشرقي ومعركته المفصليّة كانت في الحميمة، والمحور الشرقي خلف الحدود من الجهة العراقيّة لقطع خطوط الإمداد، والمحور الأخير كان من داخل الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في مدينة دير الزور وخصوصا منطقة المطار،ومنذ آذار/مارس 2017، يتقدّم الجيش السوري وحلفاؤه نحو الشرق، مستفيدين من انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية من حول تدمر، وفي مطلع حزيران/يونيو وصلت قوات النظام وحلفائه إلى الحدود السورية العراقية.
تقاسم النفوذ بين أمريكا وروسيا شرق سوريا يصبح أكثر تعقيدا مع الاقتراب من الحدود العراقية حيث تبرز التداخلات في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي في البوكمال والميادين، وقد برزت خطوط أمريكية حمراء حول طبيعة النفوذ في هذه المناطق بعد إصرار التحالف على منع وصول قافلة مقاتلي تنظيم الدولة بعد صفقة جرود عرسال مع حزب الله، حيث لا تغادر طائرات التحالف المنطقة، وقد كثّفت هجماتها باستهداف البوكمال، وهكذا فإن خطة الولايات المتحدة تهدف إلى طرد تنظيم الدولةوحرمان إيران من ممر نحو المتوسط، لكن خطتها تفتقر إلى القدرة على تنفيذها عمليا، ذلك أن الخطة تستند إلى سيناريومعقد عمليا يقوم على أن أمريكا ستقوم بدعم هجوم للقوات الحليفة من العرب و”قوّات سوريا الديمقراطية” على الأرضفي دير الزور، والسيطرة على الضفاف الشمالية للفرات للتقدم نحو الميادين، ليعبروا بعدها النهر ويتقدّموا نحو البوكمال قبل الاستيلاء على منطقة الحدود العراقية،وعلى الجهة المقابلة من الحدود، فسيقضي الجيش العراقي، وليس الميليشيات الشيعية، على وجود تنظيم “الدولة”.
ثمة شكوك في قدرة أمريكا على تنفيذ مخططها،ذلك أن عدد القوات العربية الحليفة المدعومة من الولايات المتحدة في غاية الهزال والضعف، إذ لا تتجاوزقوات “جيش أسود الشرقية”، و”جيش مغاوير الثورة”، و”لواء تحرير دير الزور” الجديد أكثر من الألفي عنصر حسب أفضل التقديرات،وقد ظهر ذلك جليا في 29 حزيران/ يونيو 2016 عندما فشلت محاولة السيطرة على البوكمال فشلاً ذريعاً، وعندما تقدمت هذه القوات في ربيع عام 2017، براً نحو البوكمال من التنف، أوقفهم هجوم مفاجئ شنته الميليشيات الشيعية من تدمر نحو الحدود.
على الرغم من العقبات العديدة التي تعترض الخطة الأمريكية والاستراتيجية الروسية الصبورة، إلا أن أمريكا حسمت خياراتها في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي بتنفيذ خطتها بمن حضر، حيث أعلن مجلس دير الزور العسكري المنضوي تحت جناح قوات سوريا الديمقراطية، عن بدء حملة “عاصفة الجزيرة” لتحرير شرق الفرات، والريف الشرقي لدير الزور من سيطرة تنظيم “الدولة”، وهو مجلس أعلن عن تشكيله بدعم أمريكي من عدة فصائل عسكرية في 19 آذار/مارس الماضي، وبحسب بيان التأسيس، يتألف من الفصائل التالية: (الجبهة الشامية، فرقة السلطان مراد، تجمع أبناء دير الزور، تجمع القعقاع، لواء الغرباء، لواء الشهيد علي المطر، لواء شهداء الفرات، لواء المهاجرين إلى الله، كتائب الفاروق).
في هذا السياق، رحب التحالف الدولي بزعامة واشنطن ببدء الإعلان عن الهجوم، وقال إن قواته ستدعم “التحالف العربي السوري”، وهي تسمية تستخدمها الحكومة الأمريكية للإشارة إلى فصائل عربية منضوية في “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي يشكل المقاتلون الأكراد معظم قوامها، وجاء في بيان التحالف الدولي أنه سيدعم هذه القوات أثناء هجومها في وادي الخابور في إطار مهمتها، وذلك بتوفير العتاد والتدريب والاستطلاع والدعم اللوجستي للمقاتلين المهاجمين.
خلاصة القول، أن أمريكا في سباق مع روسيا على تركة تنظيم الدولة شرق سوريا والمناطق الحدودية غرب العراق، وإذا كانت روسيا تمتلك استراتيجية صبورة تعتمد على قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، فإن أمريكا تفتقر إلى استراتيجية عملية واضحة ومتماسكة نظرا لعدم وجود قوات عربية سنيّة حليفة قوية على الأرض، والقوات الكردية الفاعلة لديها شكوك حول أي وعود أمريكية، وخصوصا بعد تخلي أمريكا عن دعمها للقوى المعارضة السورية المعتدلة، وبهذافإن حزب الاتحاد الديمقراطي” وقوات المعارضة السورية العربية سوف تتردد في تأييد الاستراتيجية الأمريكية في شرق سوريا يشكل أعمى من دون وجود ضمانات أمريكية جدية طويلة الأمد،تقوم على ركيزة صلبة تستند إلى بناء قاعدة عسكرية أمريكية دائمة، وتتبنى نشر عشرات الآلاف من الجنود على أرض الميدان، وهو أمر ليس على أجندة الخطط الأمريكية حاليا، لكن أمريكا كما بدلت استراتيجيتها في أفغانستان فهي سترغم على تغييرها في سوريا والعراق.