#التعليم_الأردني في #ميزان_التقويم و #التصنيف_الخارجي ( 3-5 )
الدكتور #محمود_المساد – خبير تربوي
الحلقة رقم (03)
تعرضنا في الجزء الثاني من سلسلة هذه المقالات (2-5) إلى معيار فقر التعلم الذي أثّر كثيرا في الواقع المجتمعي الذي يحتضن النظام التربوي التعليمي، حيث بات واقعا لا يسرّ، وتفشى فيه الكثير من المشكلات التي قادت إلى تراجع المجتمع في قطاعاته المختلفة الحكومية منها والخاصة وتفككه.
وأكدنا على أن مشكلة فقرالتعلم، ومعاناة أكثر من نصف سكان المجتمع منها فترات طويلة، نجم عن ذلك مشكلات مجتمعية مثل: الحنق، والغبن، والإحساس بغياب العدل لدى أفراد المجتمع. وهذه جميعها معا أو مفرّدة خلقت بيئة معادية للتعلم، وغيّبت مكارم الأخلاق والشخصيات السوية، وأظهرت للعيان هشاشة الاقتصاد، و تفشىت آثارضعف سيادة القانون والمساءلة خاصة على من عدّوا أنفسهم فوق القانون، وتراجعت نتيجة كل ذلك الثقة بين الشعب والحكومة.
وعَودا إلى موضوع مقالنا الحالي رقم ( 03 ) حول المعيار الرابع المتصل بالاختبارات الدولية التي يشارك فيها الأردن مع معظم دول العالم، نلمس أن واقع التعليم في الأردن قبل جائحة كورونا وفي أثنائها وما بعدها، لم يختلف كثيرا في المؤشرات العامة الدالة على مستواه، فقد تبين لنا أننا لم نكن قبلها بخير، ولم نكن خلالها بوضع يستوعبها ويتكيف معها – بل كانت مرحلة كورونا كاشفة لواقع التعليم المتراجعة –، ولم نستطع حتي الآن ( 2023 ) أن نضع البرامج والمشاريع الفاعلة لتحسين الوضع القائم، وإن تم وضعها من أي جهة أخرى فإننا لا نحسن إدارتها ومتابعتها، وتحقيق أهدافها بالدرجة التي خطط لها.
المعيار الرابع : الاختبارات الدولية التي يشارك بها الأردن معظم دول العالم.
إن النظم التعليمية التي تنشد الحياة والازدهار، وتسعى لتحقيق أهدافها، فإنها تسعى في الوقت نفسه إلى تطوير جميع عناصر منظومة النظام التربوي التعليمي ومنها عنصر التقويم، سواء تم هذا التقويم على مستوى الطالب أم على مستوى المدرسة، أم على المستوى الوطني أو الدولي. ومن هنا، فإن مشاركة الأردن في التقييمات الدولية جاءت للكشف عن الجودة والإنصاف والكفاءة لنظامها التعليمي؛ مقارنة بخصائص النظم التعليمية ذات الأداء العالي في الإقليم وفي العالم، ولاسيَما أن مؤشرات التقييمات الدولية تعكس حيوية هذه النظم وكفاءتها وفاعليتها. وما نتائج المشاركة الأردنية في الاختبارات الدولية إلا خير مثال على صدق هذه التقييمات الدولية، التي تؤيدها وتتناغم معها نتائج التقييمات الوطنية.
وقبل البدء في تناول نتائج المشاركة الأردنية في هذه التقييمات، يجدر بنا أن نتعرف أولًا إلى طبيعة اختبار بيز(Pisa)Programme for” International Student Assessment “ ، حيث يقوم برنامج التقييم الدولي للطلبة بمجموعة من الدراسات التي تشرف عليها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية(OECD )، وتُجرى كل ثلاثة أعوام بهدف معرفة مدى امتلاك الطلبة من العمر( ١٥ ) سنة للمهارات والمعارف الأساسية في( الرياضيات والعلوم والقرائية)، وقياس قدراتهم على حل المشكلات المرتبطة بالواقع المعيشي، مستخدمين المعارف والمهارات المكتسبة في المجالات الثلاثة للتعبير عن مواقفهم بشكل واضح تجاه هذه المشكلات، إضافة إلى التركيز على استيعاب المفاهيم والقدرة على العمل في أي مجال تحت الظروف المختلفة، دون تركيز كبير على محتوى المنهج بهدف قياس مدى نجاح الطلبة الذين بلغوا من العمر خمسة عشر عاما الذين هم على وشك استكمال تعليمهم الإلزامي والاستعداد لمواجهة تحديات مجتمعاتهم اليومية.
بلغ أداء طلبة الأردن في سن الخامسة عشرة في القراءة 419 درجة، وفي الرياضيات 400 درجة، وفي العلوم 429 درجة، بحسب برنامج التقييم الدولي لمهارات القراءة لعام 2018، وجميعها دون المتوسط الدولي، حيث أظهرت نتائج الدراسة التي أعلنتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي زيادة في متوسط علامات طلبة الأردن في مبحثي العلوم والرياضيات بمعدل 20 درجة لكل مبحث، فيما زاد متوسط أداء الطلبة في القرائية بمعدل 11 درجة؛ مقارنة مع نتائج دراسة عام 2015. وهذا ما أعلنته الأردن في حفل إطلاق نتائج دراسة البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (بيزا) 2018 الذي أقيم في المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية بحضور رئيس الوزراء.
وبذلك يكون الأردن قد حقق تقدما طفيفا ينقذ وضع التعليم المتدهور، أو على الأقل بإيقاف هذا التدهور، وهذا ما ظهر في نتائج هذه الدراسة الدولية التي تُجرى مرة واحدة كل 3 سنوات، علما بأن مشاركة الأردن فيها تعود إلى العام 2006؛ ليكون بذلك من أوآئل الدول العربية المشاركة بهذه الاختبارات. وهنا يجب أن نشير إلى أن واقع الحال الذي كشف عن تراجع صادم في التعليم عموما، وتحقيق الأهداف المرتبطة بالطالب على وجه الخصوص كان منذ العام 2006 ( كما يظهر في الشكل رقم 3) ، في حين أعطت نتائج دراسة هذه الاختبارات 2018 بارقة أمل في توقف هذا الوضع عن التدهور، مع استمرار معدلات الأردن جميعها على اختبارات العلوم والرياضيات والقرائية دون المتوسط الدولي.
تمعّن في هذا التصريح
قال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ( فريد بلحاج ): “لقد واجهتنا أزمة في التعلم قبل تفشي جائحة فيروس كورونا، وبين أيدينا الآن تحدّ أكبر من ذلك بكثير حيث تحتاج أنظمة التعليم في منطقة الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا إلى تقديم مهارات تأسيسية أقوى حتى يتمكن الأطفال من تعلم القراءة بشكل فعال؛ من أجل أن نصل بهم إلى مرحلة “القراءة للتعلم“. وأضاف: “ستعمل الاستثمارات الموجهة لتوفير تعليمِ ذي مستوى أكثر جودة لكل طفل، وستعمل كذلك على تزويد الأولاد والبنات الصغار في منطقتنا بالمهارات الأساسية اللازمة؛ ليكونوا من أرباب الابتكار وريادة الأعمال في المستقبل” بحسب بلحاج.
وأكد رئيس الوزراء في مداخلة له خلال حفل إطلاق نتائج الاختبارات لدورة 2018، أن الشراكة الحقيقية بين وزارة التربية والتعليم بجميع كوادرها، مع المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية، أثمرت عن تحقيق نتائج جيدة في هذا الامتحان الدولي، بعد استخلاص الدروس والعبر، وتحليل نتائج المشاركات السابقة.
ولفت إلى أن هذه النتائج لدورة اختبار العام 2018 جاءت بعد نتائج متواضعة في العام 2015 والتي شكلت ناقوس خطر حقيقي، وتراجعا مستمرا في المورد الأهم، وهو المورد البشري. وأكد الرزاز ( رئيس الوزراء الأسبق) على أن نتائج هذه الدراسة الدولية أثبتت أن الأردن هو الدولة العربية الوحيدة التي كانت فوق المعدل، لعامل الارتباط بين الدخل القومي ونتائج الدراسة؛ مشيرا إلى أن هذا يؤكد أن جهودنا لتطوير العملية التعليمية قد أثمرت. وأضاف: “اذا استثنينا دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي الأوروبية، فإن الأردن هو الدولة الثانية في العالم من حيث التحسن والقفزة التي حققها في نتائج هذه الدراسة الدولية“؛ مؤكدا أن “أملنا هو أن نصل إلى متوسط هذه الدول بالنظر لكوادرنا ومدارسنا المؤهلة لتحقيق القفزة المنشودة“. وبيّن كذلك أن نتائج هذا الامتحان الدولي توفر حجما هائلا، ومنجما حقيقيا من البيانات التي تساعد على الخروج بسياسات تهدف إلى تعزيز العملية التعليمية وتصويب مكامن الخلل. وأشار إلى أن هذه الاختبارات الدولية والنتائج التي يتم تحقيقها تستدعي التركيز على الانتقال من مفهوم الحفظ إلى الفهم والتحليل في التعامل مع المعلومة، وتحويل المواد الدراسية من مجرد علوم نظرية إلى دروس عملية قابلة للتطبيق، مؤكدا أيضا على أن من أهم المعايير ذات الأثر على أداء الطالب هو شعوره بالأمان والانتماء لمدرسته.
واكد وزير التربية والتعليم بدوره على أهمية العوامل المرتبطة بالطالب التي من شأنها أن تصنع تقدمه الحقيقي وهي ثقته بنفسه، وقدراته على التعلم، وشعوره بالأمان في أثناء التعلم؛ مبينا أن جميع هذه العوامل مرتبطة أيضا بدور المعلم الذي يُعَدّ حجر الزواية في أي نطام تعليمي، وهو الذي يشعر الطالب بالثقة في تعلمه والمسؤول عن تعلمه. كما وضح أهمية النتائج التي حققها طلبة الأردن في اختبار بيزا 2018، والبيانات الإحصائية المعمقة التي تضمنتها؛ مبينا أن تقدم طلبة الأردن بنحو 20 نقطة بحسب النتائج، يؤشر من الناحية التربوية إلى تقدم الطلبة بنحو ثلثي عام دراسي؛ مقارنة مع نظرائهم عن عام 2015، وهذا يعني أن جودة التعليم على طريق التحسن. وفي هذا الصدد، تم التأكيد على أهمية رياض الأطفال، حيث تظهر نتائج بيزا 2018، أن الطلبة الذين التحقوا برياض الأطفال، حققوا نتائج أفضل عام 2018، وهذا يؤكد أهمية الاستثمار في رياض الأطفال التي تضمنتها حزم الحكومة، وخطة عملها للمرحلة المقبلة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن بيانات البنك الدولي أوضحت بأن نسبة الفاقد التعليمي في الأردن هي 7,7 سبعة أعوام دراسية وسبعة أعشار من 12 عاما دراسيا، أمضاها الطالب على مقاعد الدراسة، وهذا يشير على الرغم من حديث الوزير أن الفاقد ما زال 4 سنوات، وأن خريج الصف الثاني عشر يعادل فيما تعلمه خريج الصف الثامن الأساسي.
وبين مدير المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية أن الأردن تصدر بحسب نتائج الدراسة، الدول المشاركة التي أظهرت تحسنا في العلوم، فيما جاء ترتيبه بالمركز الثالث من حيث درجة التحسن في الرياضيات، في حين نقص درجة واحدة فقط ليكون ضمن قائمة الدول الخمس التي أظهرت تحسنا في القرائية. وأوضح أن هذا التحسن رافقه انحسار الفجوة بين الجنسين، وبين طلبة الريف والحضر/ المدينة، فيما أظهرت النتائج أيضا تقدم ترتيب الأردن في المباحث الثلاثة؛ مقارنة مع ترتيبه في الدورة السابقة للدراسة.
وبيّن أن الخطة هدفت إلى رفع حالة الوعي بأهمية مثل هذه الاختبارات لدى أولياء الأمور، والطلبة والمعلمين والمشرفين التربويين والإدارات المدرسية، ورفع درجة الاستعداد لدى الجميع، حيث تم تعريض المشرفين التربويين في المجالات الثلاثة لتدريب مكثف؛ من أجل نقل هذا التدريب إلى المعلمين الذين يتبعون لهم، مع تعزيز ذلك بنماذج تدريبية مصورة، ونماذج من الأسئلة المحررة من الدورات السابقة، وتعميمها على الميدان لنقل أثرها إلى جميع الطلبة في المدارس، بالإضافة إلى نشر فيديوهات قصيرة توعوية للطلبة والأهالي والمعلمين. وتم الإعلان في هذا الحفل عن استعداد الوزارة والمركز الوطني لتنمية الموارد البشرية لعقد امتحان بيزا في دورته المقبلة عام 2021، بالصيغة الإلكترونية.
شكل رقم 3 ( رسم بياني يوضح تطور نتائج الأردن في الاختبارات الدولية من عام 2006 وحتى عام 2018 في العلوم والرياضيات والقرائية)
أهمية دراسة البرنامج الدولي لتقييم الطلبة “بيزا“:
- – تشكل أداة محايدة وموضوعية لقياس كفاءة أي نظام تعليمي للدول المشاركة فيها.
- – تمثل فرصة للوقوف على جوانب القوة والضعف لمهارات الطلبة.
- – تساعد على الوصول إلى مجموعة من السياسات التي يمكن أن يتم الأخذ بها؛ للنهوض بنظامنا التعليمي والتربوي.
- – دراسة بيزا لا تقيس مهارات الحفظ والتذكر، بل تقيس مهارات وظيفية مطلوبة من الطلبة للتنافس في سوق العمل.
- – تُعدّ الدراسة التي تشرف عليها منظمة التنمية والتعاون الدولي على درجة عالية من الأهمية؛ لأنها تمثل محطة للوقوف على نوع المهارات التي يوظفونها في الحياة اليومية، وللانخراط في سوق العمل.
- – الدول التي تشارك في هذه الدراسة هي دول ذات أنظمة تعليمية متقدمة، الأمر الذي معه يتوفر للدول – ومنها الأردن – فرصة المقارنة ومعرفة واقعها؛ مقارنة مع هذه الأنظمة من جهة، والنقل والاستفادة من تجارب الدول المتصدرة لقوائم التصنيف من جهة أخرى، مع التطلع للوصول إلى مواقع متقدمة في الدراسة مستقبلا.
- – تؤسس لوضع خطط للإصلاح والتحسين في مجالات تتعلق بالتنمية المهنية، والمناهج، والتوعية، والدراسات والبحوث الإجرائية والمقارنة، ودراسات الحالة على مستوى القطاع والمدرسة والطالب.
- – إن عدد الدول التي أحرزت تحسنا في دراسة ” بيزا” كان محدودا جدا، وأن الأردن احتل الصدارة على صعيد التحسن في مجال العلوم من بين ست دول، إذ كان ترتيبه الثالث من بين 13 دولة شهدت تحسنا على مستوى 79 دولة شاركت في الدراسة، وأن طلبة الأردن كان ينقصهم درجة واحدة ليكونوا ضمن الخمسة الأوائل الذين أظهروا تحسنا كبيرا جدا في مجال القرائية بدورة “بيزا“عام 2018.
– وفي ضوء النتائج لأي دورة، فإنه من المهم لصنّاع السياسة وأصحاب القرار الاطلاع على نتائج هذا الاختبار الدولي؛ لأنها تقدم لهم رؤى عن السياسات والممارسات التي تساعد على رصد الاتجاهات لدى الطلبة ومدى اكتسابهم المعرفة والمهارات في مختلف البلدان، كما يكشف الاختبار نتائج الطلبة الأعلى أداء والأكثر تحسُّـنًا بشكل أسرع في الدول المتقدمة، حتى تتمكن الدول الأخرى الأقل تطوّرًا التعلم منها والقيام بخطوات إصلاحية لنظمها التعليمية، والعمل على تحديد أهداف السياسة القابلة للقياس، والتعلم باعتماد المعايير الدولية لرسم ملامح التطوير التربوي الوطني ومقارنته بنتائج الدول المماثلة والمنافسة له في عالم الاقتصاد.
وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)