التزوير الخداع

#التزوير_للخداع

د. #هاشم_غرايبه

تعرض تاريخنا الحديث لسيل جارف من التحريف، بقصد طمس الحقائق ورسم الأحداث بشكل يخدم مصالح الشيطان الأكبر، ونفذه اتباعه من بيننا، وحلفاؤه المنافقون معادو منهج الله.
الحقيقة التي حاولوا طمسها هي أن أمتنا ان اعتزت بغير الله ذلت، والتي أكدت وقائع التاريخ صحتها:
فما قويت يوما بغير الوحدة، وما توحدت تحت راية قومية بل إسلامية، ولم تنتصر مرة واحدة بعقيدة عروبية، بل كل انتصاراتها تحققت عندما كانت إسلامية، فصلاح الدين كان كرديا لكنه قاد الأمة باسم الإسلام وهزم الصليبيين، وقطز كان مسلما وغير عربي لكنه نصر الأمة على المغول، ومحمد الفاتح الذي دك حصون القسطنطينية التي حاربت العرب قرونا كان عثمانيا مسلما، وطارق ابن زياد الذي فتح الأندلس لم يكن عربيا، بل بحكم انتمائه الإسلامي.
تمكنت أوروبا بعد صراع دام ثلاثة عشر قرنا مع الدولة الإسلامية من الإنتصار عليها، صحيح أنهم نجحوا في القرن الحادي عشر باقامة مملكة صليبية في بيت المقدس دامت حوالي قرن من الزمان، لكنهم اندحروا، وعادوا الى بلادهم مهزومين، عندما توحدت أقطار الأمة على يد قائد مخلص للعقيدة، فأدركوا أن بقاء المملكة الصليبية في القدس قائمة طوال هذه المدة، لم يكن ليتحقق لولا تفرق المسلمين وتناحر حكامهم.
هذا الدرس تعلمه الأوروبيون بالتجربة العملية، وعرفوا أنه لا قبل لهم بأمة تجاوزت القوميات، وانصهرت وتوحدت بالإسلام، لذلك ومنذ أن حددوا أولوياتهم في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، كرسوا جهدهم لقطع العرب (مؤسسي الأمة وعمادها) عن عقيدتهم، فوجدوا في نشر العلمانية خير أداة، وأفضل وسيلة إذكاء العصبيات القومية والإثنية لدى مكونات الدولة الإسلامية المسيطرة على هذه المنطقة.
ففي قلب الدولة العثمانية سعوا الى احياء عصبية القومية التركية، ومن خلال اختراقات المخابرات البريطانية لعلمانيي الأتراك، أسست جمعية الإتحاد والترقي، وبدعم تمويلي من يهود الدونمه تمكنت من السيطرة الفعلية على مؤسسة الباب العالي، وتوجيهها لقمع العرب والتضييق عليهم معيشيا، لتثير نقمتهم، وتدفعهم للثورة على الأتراك تحت شعارات استقلالية وقومية.
على الجانب العربي اخترقت بعضا من الزعامات القبلية في آسيا العربية والضباط العرب في الجيش العثماني، بتهيئتهم لتقبل التحالف مع بريطانيا ضد الأتراك، موهمين أنفسهم بأنها مقابل ذلك ستتحقق لهم مملكة عربية موحدة، فيما كان ذلك تنفيذا لخطة مؤتمر “كامبل 1905” لاستعمار هذه المنطقة، التي كان ممانعها الوحيد وجود دولة إسلامية قوية.
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وبعدها القضاء على الدولة الإسلامية من داخلها، تهيأت الأمور لتنظيم السيطرة الأوروبية الكاملة على المنطقة العربية، والبدء بترتيبات (سايكس – بيكو)، بهدف تأسيس كيانات هزيلة بديلة، على غرار الإمارات المتشاكسة التي كانت قائمة في أواخر الدولة العباسية، وممالك الطوائف في الأندلس.
ولمنع العودة من جديد الى الصيغة الوحدوية الإسلامية، جرى ترسيخ الأفكار النقيضة، ورعاية الأشخاص الذين تبرعوا لتبنيها، فنشأت حركات تدعو الى (تحرير) الأمة من الفكر الإسلامي (الرجعي)، وبشعارات بديلة أسموها للتضليل (تقدمية)، راوحت بين القومية والماركسية.
اقتضى الأمر سبعين عاما من الوعود الخادعة، والتجارب الفاشلة، حتى أيقنت الأمة بعبثية اتباع أصحاب هذه الحملة، كما ظهرت حقيقة ان تلك الأفكار ما هي إلا تأميل سرابي، فهي لم تحقق إلا مزيدا من الهزائم المشبوهة بالخيانة، وترسيخ التبعية للغرب، وارتهان الأوطان بالديون رغم غنى الزعماء الفاحش.
فكانت الصحوة تجاه العودة الى الفكر الإسلامي، والذي عجزت الأنظمة عن كبحه، وتمثل في انبثاق الثورات العربية عام 2011، لكن سرعان ما تكاتفت الأنظمة العربية بشقيها التقدمي والرجعي، عندما أحست بخطر زوالها جميعا، وتمكنت من تحقيق ثورة مضادة بدعم الغرب الراعي لها واستعادت فيها السلطة.
لكن أكبر تزوير معاصر هو ما قام به أولئك المنافقون من بيننا (معادو منهج الله)، من تبرير لجرائم أنظمة (سايكس – بيكو) الطغاة المفسدين، ونعتهم الثوار بالعملاء، فيما هو معلوم أن قامعيهم هم العملاء.. وباعترافهم وبأفعالهم!.
نقطة ضعف هذا التحالف أنهم لا يؤمنون بالله، فلا يعلمون ان ما تمر به الأمة من انتصارات مؤقتة لأعدائها، سببها تخاذل المؤمنين وتسيّد المنافقين.
لكن الله غالب على أمره، وسيحقق وعده، ومثلما انتصرت الأمة في كل مرة أقامت فيها دولتها الاسلامية، ستنتصر من جديد، وسيهزم الجمع ويولون الدبر..والأيام دول.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى