التدخل الروسي في سوريا قراءة تحليلية مبسطة
من الواضح ان تدخل روسيا اليوم في سوريا و قصفها للاحرار و المواطنين هناك ليس من اجل مكافأتها على موقفها القديم عند دخولها جورجيا بحيث باركت سوريا لروسيا تدخلها في عام 2008 وكان النظام قد إعتبر التدخل الروسي هو مُعبراً بشكل ما عما لم يعد قادراً على عمله وتبريره في لبنان من تدخل والذي كان لا يزال يحلم بتنفيذه ، وبالتالي فإن التدخل الروسي كان لإعتباراتٍ روسية محضة شبيهة بتلك التي لاجلها تدخلت روسيا في جورجيا ولكن بقطرأكبر
و خطط استعمارية أوسع ،ناهيك عن ضعف مواجهة الادارة الامريكية لها و التي قد احبطت و استهلك في العراق وبالتالي غير قادرة على فتح مواجهة اخرى عليها .
***************************
و الأهم في الساحة السورية هنا أن الحديث يدور عن دول ترى أن لها مناطق نفوذ تريد أن يحترمها الغرب و تحديداً الولايات المتحدة وأن لا يعمل على تقليص او التعيد على هذا النفوذ ، وبالتالي فثمة شبه كبير بين دور سوريا في لبنان قديماً و عدم قدرتها على الحفاظ على موقفها من تدخلها العسكري في لبنان و الموقف الايراني في لبنان و سوريا و موقف روسيا السابق في جوجريا والقرم و الحالي في سوريا ، فهذه الدول لها تشابه في فهمها للمناطق السياسة الخاصة بها و حقها في النفوذ وبسط السيطرة على نفوذها ، و من هذا المنطلق لم ترى روسيا في التدخل الدولي في الثورة السورية مع ضعفه تدخلاً سياسياً خاصاً في حركات تحررية تريد الخروج من ظلم الحكم الإستبدادي الى فجر الحرية و الحصول على حقوقها إنما رأت هذا التدخل في القضية السورية تدخلاً مباشراً في نفوذها في المنطقة ،كما قد إختلط لدى روسيا الخوف من التيارات الإسلامية الراديكالية في سوريا والتي كانت قد ذاقت ويلها من قبل في افغانستان والشيشان و غيرها مع الخوف من التمدد الأمريكي على نفوذها في المنطقة بشكل مركب تلفيقي متناقض لأن الغرب لم يساعد في دعم الثورات العربية و خاصة السورية وذلك بسبب الخوف من التيارات الإسلامية المتمددة في المنطقة وهكذا تجد ان الحرب الروسي ضد الارهابيين وقتالهم في سوريا هو كلام اعلامي بحت صالح للتناول الاعلامي السريع فقط .
و حين تأخذ بالاعتبار المشكلة الديموجرافية الروسية والتي تتمثل في الانخفاض المستمر لعدد سكان روسيا الغير مسبوق لدولة مثل روسيا بحيث ان نسبة الوفيات كثيرة جداً و الخصوبة لديهم قليلة و هذه تشكل حالة نادرة و غير مسبوقة لدولة صناعية و ليست في حالة حرب بحيث تجد أن عدد سكان روسيا اليوم هو” 144 مليون ” روسي منهم “تقريبا 23 مليون ” مسلم نسبة و فياتهم قليلة و يزادا عددهم باطراد ومثل هذه المشكلات تعد وهذه مشكلة بنيوية خطيرة تهدد روسيا على الصعيد المستقبلي ناهيك عن مشكلة و ازمة النفظ الحالية و الذي يعتبر عاملاً أساسيا للإقتصاد الروسي ،
وهنا نجد روسيا رغم تلك الأزمات قامت بعمل غير مسبوق حتى أيام لاتحاد السوفيتي حيث تدخلت تدخلاً عسكرياً مباشراً في سوريا والتي تقع خارج منطقة حلف ” وارسو ” و لم تكتفي بغطاء وكذبة التدخل بخبراء ومستشارين عسكريين كما فعلت سابقتها ايران وهذا كله لانقاذ نظام الاسد من الانهيار و السقوط ، ولكن ليس انقاذ نظام الاسد هو السبب الئيسي والأساسي من هذا التدخل إنما من أجل إنقاذ نفسها و نفوذها بشكل أساسي و إعادة وجودها على الساحة الدولية كدولة ذات قوة عالمية وليست اقليمية فقط قادرة على الحفاظ على نفوذها خارج اطار مركزها وهذا التدخل جعل من النظام السوري جزءا هامشياً ولم يعد سيد مصيره وقراراته السياسية ولم يعد لاعباً على ساحة المفواضات السورية اصلاً.
*************************************
*************************************
كما أنه من الواضح التورط الروسي في سوريا يمنع و يعقد أي تدخل أمريكي في الأزمة السورية و يقلل من خياراتها في المنطقة ويقلل حتى من وجود غطاء جوي وهذا لا شك نتيجة دراسة عميقة من قبل روسيا وأجهزتها للسياسة الأمريكية و توقع طبيعة ردها في مثل هذه الحالة ،مما أعطى فرصة أكبر للنظام السوري بالتحرك على الارض واسترداد بعض من المناطق المحررة ولا سيما ان الضربات الروسية كانت على المناطق القريبة من اطار و معاقل النظام والجيش السوري و ليست في المناطق التي تحتلها الدولة الإسلامية وبالتالي اذا لم يتم التوصل الى حل سياسي مع الروس قريبا ستضطر الولايات المتحدة الى تغيير استراتيجيتها في سوريا و ربما في الشرق الاوسط عموماً لضعف موقفها في الوقت الحالي
****************************************************
يمكن تلخيص أهداف التدخل الروسي الى ما يلي :
اولا جعل النظام يصمد المدة الكافية حتى تحصل موسكو على ما ترغب به على صعيد المسار الدبلوماسي
ثانيا بعد التدخل الروسي سيصبح أي تدخل عسكري خارجي أمراً صعباً للغاية وهذه رسالة روسية للغرب و الاتراك على حد سواء .
ثالثاُ و الاهم هو ما يحلم فيه بوتين و هو التوسع الاستعماري و توسيع حدود نفوذه بحيث سيصبح اي حوار دبلوماسي سوري لا بد أن يكون الروس جزءا أساسيا فيه
ومما سبق يظهر لدينا عوار المتشرذمين الذين يملأون العالم صريخا دفاعا عن سوريا الأسد كما يقولون متفاخرين بمساعدة روسيا و دخولها على سوريا متوهمين بأن التدخل جاء لمصلحة النظام الحالي و الدفاع عنه كحليف استراتيجي لروسيا ناسيين بأن روسيا ليس لديها حليف استراتيجي ثابت انما مصالح ثابته
ان من يدافع اليوم عن التدخل الروسي لا بد له من ان يرادع حساباته فلا شيء يعلو على صوت الجماهير وكما قال مظفر النواب
ان تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن
.
إن عالماً لا يستطيع سماع صوت الكادحين يجب أن يلاقي ويل إنفجارهم
سالم البدوي
#كونوا #احرارا