ثقافة التوهين في التعليم!

#ثقافة #التوهين في #التعليم!

د. #ذوقان_عبيدات

التوهين مصطلح فيزيائي يعنى تضاؤل القوة أو الشدة أو الصوت أو السريان، وهذه كلها مصطلحات تتأثر بنوع المادة وقوة الطاقة وسُمك المقاومة وسرعة الانطلاق ووضوح الهدف!

مقالات ذات صلة

حيث تنطلق الإشارة  أو الرسالة قوية وتكاد لا تصل، أو تصل ضعيفة، فعبر المسارب تحدث فوضىً وتشويش يشوهها ويضعفها!

فالتوهين  Attenuation يحدث في كل نشاط حي حيث تتضاءل العلاقات إلى الحد الأدنى: فمثلًا يتضاءل وصول المعلومات وانسيابها من المنهج إلى الكتاب إلى المعلم إلى الطالب  ثم إلى الطالب بعد الامتحان حيث تكاد تختفي. وتتضاءل كذلك علاقات المعلم بالعمل والمدرسة والمدير والمشرف وولي الأمر والطالب حتى تكاد تصل درجة سالبة! وتتضاءل علاقة المدرسة بالمجتمع وبحاضره وبمستقبله وتذهب بعيدًا إلى الماضي!

وتتضاءل علاقة الطالب بالمدرسة 

والمعلم والكتاب وبسائر زملائه عدا نفر قليل منهم. موضّحًا أن التعليم يحتاج تمتينًا للعلاقات وليس توهينًا لها.

هذه بعض معالم التوهين

وسأتناول الآن قضيتين أساسيتين:

الأولى؛ توهين العلاقة بين الطلبة والتعليم. وتوهين سائر العلاقات التربوية.

والأخرى: عوامل هذا التوهين.

(1)

توهين علاقات الطالب

قبل الحديث عن توهين علاقة الطالب بالتعليم أوضح أن التوهين هو أحد مظاهر التغير في حياتنا. تغيرت علاقتنا مع الأشياء، وتحولت من علاقات دائمة إلى علاقات واهنة ضعيفة؛ فنحن نغير ملابسنا ومنازلنا وسياراتنا، وخزائننا ومخدات نومنا بشكل مستمر، فلم نعد نمتلك كثيرًا من أدواتنا السابقة، وحلت محلها ثقافة التوهين Disposable

وصارت الأشياء تستخدم مرة واحدة فقط ثم ترمى( مناديل، كاسات، صحون…إلخ).

وضعفت علاقتنا بالماضي وصرنا نتطلع إلى المستقبل، فنحن نعيش حاليًا في المستقبل!

ومع ذلك يُصّر  التربويون إلى البقاء في الأصالة والجمود والثبات والماضي والعداء للحاضر وشتمه باستمرار.

وعودة إلى  توهين علاقات  الطالب بالتعلم والتعليم، فسأعرضها على النحو الآتي:

أولًا- توهين  علاقة الطالب بالمدرسة، فهذه العلاقة تبدأ قبل سن المدرسة، حيث تتكون اتجاهات الأطفال نحو المدرسة عن طريق ما يلاحظونه من سلوك الكبار ممن سبقوهم إلى المدرسة، حيث التذمر من الواجبات والامتحانات والصحو المبكر وقسوة المعلم … إلخ.

ثم تستمر مع بداية التحاقهم بالمدرسة حيث يتأكدون من صحة ما وصلهم ممن سبقوهم.

وتكون النتيجة عادة: حب الإجازات ومناسبات التعطيل من ثلوج وغيرها، وحب كل ما يوقف دوام المدرسة. يتخرج الطلبة من المدرسة بِ”احتفال” وداعي!

وغالبًا لا يعود إليها بعد ذلك، فعلاقته بالمدرسة من الوهن إلى حد الانقطاع عنها دون أي ضرر.

ثانيًا- توهين علاقة الطالب بالمعلمين:

  تغيرت علاقات الطلبة بالمعلمين من علاقات استعلاء معرفي وعلاقات سلطة تميزت بالطاعة والخوف والاحترام الزائف: من علّمني حرفًا….إلى علاقات ضعيفة بسبب عوامل مثل المعرفة المتاحة لكل طالب، فلم يعد للمعلمين مزايا معرفية كبيرة، كما انتهت العلاقات السلطوية نتيجة تقدم مفاهيم الكرامة والحرية وحقوق الإنسان.

وهكذا زالت العلاقات الهرمية ولم يعد الطالب مقتنعًا بأي أوامر لمجرد صدورها من راس الهرم.

فالتوهين صار وصفًا دقيقًا لعلاقة الطالب بمعلميه. ليس لدينا دراسات عن هذا التوهين لكن من الواضح أن علاقة الطالب بمعلميه لا تستمر بعد انتهاء  أيام المدرسة.  وبموازاة ذلك: لم تعد مقولة المعلم هو من علّم الطبيب والمهندس والوزير! لأن المعلم نفسه هو من علّم الحرامي والوزير الفاسد والمجرم المنحرف! ما يهمنا هنا أنّ العلاقة بين المعلم والطالب هي علاقة واهنة، بل في أعلى درجات التوهين.

ثالثًا-علاقة الطالب بالكتاب المدرسي:هذه العلاقة هي نموذج للتوهين التربوي، فالكتاب المدرسي ابتعد منذ  ابتعد عن حاجات الطلبة وحاضرهم ومنذ صار الامتحان نهاية للتعلم، ورمى الطلبة الكتب في الشوارع، ولا يغرنكم قرار الوزير جمع الكتب ورميها في مستودعات الوزارة ، فقد اعترفت الوزارة بتوهين علاقة الطلبة بالكتب، وبدلًا من تحسين مستواها لتحسين العلاقة معها، تمّ جمعها منهم. وهكذا بقيت العلاقة مع الكتاب علاقة واهنة!.

وما يقال وخير جليس في الزمان كتاب؛ هذا لا يتعلق بالطلبة وكتابهم، ربما كان ذلك بلاغة لغوية لشاعر.

(2)

توهين علاقات المعلمين

 للمعلمين علاقات واهنة مع سائر الأطراف: العلاقات البينية وعلاقاتهم مع المشرفين والمديرين، والأهالي والمجتمع.

١-علاقات المعلمين البينية علاقات ضعيفةلا تتعدى الزمالة المؤقتة، وغالبًا ما كان نقل المعلم من مدرسته انقطاعًا لعلاقته معها ومع زملائه السابقين، فالظروف المدرسية لم تنشىء علاقات أو صلات اجتماعية غير الزمالة، وما قد يحدث من علاقات قوية بين بعض المعلمين فمردّها إلى عوامل غير مدرسية. ولوحظ أن هذه العلاقات التوهينية والواهنة تنطبق على موظفي وزارة التربية والتعليم المنوي تغيير اسمها فلا يعود من يتقاعد منها لزيارة زملائه إلّا نادرًا.

٢- علاقات المعلمين بالمشرفين التربويين هي أشبه بالحرب الباردة، حيث يحمل المعلم في حقيبته ذكريات المفتش القاسي صاحب السلطة القسرية المطلقة. فالزيارات مفاجئة، والتعليمات ملزمة، وكلما نقصت سلطة المشرف ظهرت مطالبات لإعادتها من جديد. وهذه تقريبًا العلاقة نفسها مع مدير المدرسة: علاقة التقويم السنوي من أجل الترفيع، أو علاقة الأمل بتكليف المعلم بمهام مفيدة وظيفيًا أو ماليًا.

٣-علاقة المعلمين بالأهالي والمجتمع: أوكل الأهالي للمعلمين مهمة تربية أبنائهم وتهذيبهم لا مجرد تعليمهم، واتخذ المعلم من هذه الوكالة ذريعة للحكم المتسلط، فصال وجال وضرب وعاقب ، ونجّح ورسّب ،وهدّد ،وقرّب وأبعدَ، وطمع باللحم دون العظم- وهذا جزء من الوكالة-. وهذا الوضع لم يعد قائمًا، صار المعلم مراقبًا من الأهالي، وعاد المعلم ليبحث عن السلامة من اعتراضات  الأهالي وتدخلاتهم، وبات من الطبيعي أن تصاب العلاقة بأمراض الديموقراطية الهشّة: ممنوع الضرب والشتم وإلّا شكوتك!!

 إذن: تتصف العلاقات بين أطراف العمل التربوي وعناصره بالتوهين.

فما الأسباب التي قادت لذلك؟

وكيف نعالجها؟

هذا هو موضوع المقالة القادمة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى