البطالة في السياسة الاقتصاديّة الرسميّة
سلامة الدرعاوي
من المُهم أن تنعكس السياسات الاقتصاديّة المُتبعة على إنجاز إيجابيّ في مجال مُهم يُشكّل التحديّ الأكبر لأيّ اقتصاد وهو البطالة.
البطالة في الأردن كانت على الدوام مَسألة مُقلقة لراسم السياسة الاقتصاديّة لانعكاساتها الخطيرة على أمن المجتمع واستقراره، فمُعدّلات عالية من البطالة في ظل سياسات اقتصادية غير قادرة على توفير فرص عمل جديدة، سيكون عاملاً لتأجيج مشاعر الشباب المُتعطل نحو مزيد من العنف.
السياسات الاقتصاديّة التي اُتبعت خلال الفترة 2000-2008 كانت تُحققّ مُعدّلات نُمُوّ عاليّة بلغت 6.7 بالمئة في تلك الفترة، ورغم ذلك كانت البطالة في اِرتفاع، ولم يكّن النُمُوّ قادراً على كبح جِماح نُمُوّها.
مُعدّلات النُمُوّ السابقة ولـّدت فُرص عمل في السنوات الثماني لفترة المقارنة السابقة بلغت 457 ألف فرصة عمل، ورغم ذلك بقيت مُعدّلات البطالة تراوح مكانها على ارتفاع، حيث بلغت نسبتها تدور بين 14.9 بالمئة و13.6 بالمئة، وهي مُعدّلات عاليّة مُقارنة مع نِسب النُمُوّ المُتحققة.
للإجابة على ذلك يتعين علينا معرفة حقيقة فرص العمل التي خلقها الاقتصاد في تلك السنوات وتوجهاتها، فوفقا لإحصاءات رسميّة فإن الـ 457 ألف فرصة عمل التي خلقت في السنوات الـ 2000-2008، أن 42 بالمئة من تلك الوظائف المُستحدثة كانت في القطاع العام، مقابل 58 بالمئة لصالح القطاع الخاص.
والملاحظ أيضاً أن غالبية وظائف القطاع الخاص ذهبت إلى غير الأردنيين، حيث ذهب نِصفُها إلى الوافدين، ولم يمثل استحداث وظائف للأردنيين سوى 28 بالمئة من بين جميع الوظائف المُستحدثة خلال السنوات 2000-2008.
والنتيجة الأخرى المتعلقة بأعمال القطاع الخاص هو انه باستثناء القطاع الماليّ، والمقصود هُنا البنوك فإن باقي القطاعات من سياحة وتعدين ومنسوجات وتكنولوجيّا لم تنمُ الوظائف فيها بشكل جيد، لا بل أن مستويات الأجور بقيت تقريباً في حالة ثبات نسبيّ مع بعض التطورات الطفيفة في تلك الأعمال.
نتيجة ضعف القطاع الخاص في خلق فرص عمل جديدة نتيجة التحدّيات التي تعصف بأنشطته والتي لا مجال لذكرها الآن، كانت الضغوط تنهال على القطاع العام للحصول على وظائف جديدة.
إحصائيات نُمُوّ القطاع العام وقدرته على خلق فرص خلال 2000-2009 كشفت النقاب من أن قطاع الإدارة العامة والدفاع والأمن سجل نُمُوّاً سنويّاً بنسبة 7.1 بالمئة، وفي عام 2010 بلغ عدد المتقدمين بطلبات عمل في الحكومة 218 ألف شخص بحسب ديوان الخدمة المدنيّة.
الاصطفاف الكبير على وظائف القطاع العام يعكس كذلك التمايز الغريب في الأجور، ففي عام 2012 بلغ متوسط الأجر الشهريّ في القطاع العام 412 دينارا، مقابل 338 دينارا في القطاع الخاص.
واضح ان هُناك تشوها حاداً في استراتيجية النُمُوّ المتبعة التي تبتعد عن الهدف الرئيسيّ وهو خلق فرص عمل جديدة تتلاءم مع نسبة النُمُوّ المُتحققّ، أي ان هناك علاقة غير سليمة بين النُمُوّ والبطالة.
والاستنتاج الآخر هو أن القطاع الخاص الذي من المفترض أن يقود النُمُوّ ويكون هو الحاضنة الرئيسيّة لِخلق فرص العمل مازال دوره في هذا الشأن دون المستوى المطلوب مما يتطلب بحثا كاملا عن الأسباب التي تَحول دون ذلك.
الفترة الاقتصاديّة 2000-2008 هي الفترة المثاليّة التي يقاس عليها وتم بناء توقعات تنمويّة ثبت فعليّاً فشلها وعدم استدامتها بدليل أرقام البطالة الحاليّة التي وصلت إلى أعلى مستوياتها 18.7 بالمئة مقابل نُمُوّ اقتصاديّ لا يتجاوز الـ 2بالمئة في احسن حالاته.