الاستيطان قراءة بين السياسة والقانون
نيمثل الاستيطان الاسرائيلي نهجا يحاكي سياسة الاحتلال الذي تنتهجه ببراعة حكومات اسرائيل المتعاقبة في الارض العربية في فلسطين،فهي تعمل من خلاله على قضم الأراضي العربية ومصادرتها بكل الوسائل وشتى السبل المتاحة ترغيبا وترهيبا، وفي الآونة الاخيرة تصاعد الخطاب الفلسطيني الذي استشعر ان حلم اقامة الدولة الفلسطينية المفترضة تبدد لانتشار الاستيطان الحقيقي على الارض العربية في الضفة الغربية والقدس.
من وجهة نظر إسرائيلية فإن إقامة المستوطنات لا يعُد مسألة غريبة لدولة تعتبر أن لها السيادة المطلقة على تلك المناطق التي أقامت كيانها عليها في الوقت الذي يعتبرها القانون الدولي طارئة محتلة لتلك المناطق مما يفقدها حق السيادة.
وعند مراجعة القرارات الدولية بشأن الاستيطان، يتبين أن المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية تمثل تعدياً صارخاً على حقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه وانتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، فاتفاقية لاهاي لسنة 1907م في المادة(49) لاتجيز للدولة المحتلة مصادرة الأملاك الخاصة، وفي المادة (56) تعتبر الدولة المحتلة بمثابة مدير للأراضي في البلد المحتل وعليها أن تعامل ممتلكات البلد معامله الأملاك الخاصة.
كما اشتملت معاهدة جنيف الرابعة لسنة 1949م حسب المادة (49) بأنه لا يحق لسلطة الاحتلال نقل مواطنيها الي الأراضي التي احتلتها، أو القيام بأي اجراء يؤدي إلي التغيير الديموغرافي فيها. كما نصت المادة (53) على أنه لا يحق لقوات الاحتلال تدمير الملكية الشخصية الفردية أو الجماعية أو ملكية الافراد أو الدوله التابعة لأي سلطة في البلد المحتل.
كما سبق وأدان مجلس الأمن الدولي في خمسة قرارات والجمعية العامة للأمم المتحدة في خمسة عشر قراراً سياسة اسرائيل في الاستيطان واستنكرت عدم التزامها بالقوانين الدولية.
وبناءً عليه، فإن الخطوات والاجراءات التي اتخذتها وتتخذها اسرائيل في محاولة لتغيير السمات الطبيعية أو التركيب السكاني أو بنية المؤسسات القائمة أو وضع المناطق الفلسطينية والعربية المحتلة منذ سنة 1967م بما في ذلك القدس الشرقية ليس لها أي سند قانوني شرعي.
أما سياسياً فهناك مطالبة من الولايات المتحدة بوقف النشاط الاستيطاني الاسرائيلي الجديد اي المشاريع الجديدة داخل الاراضي الفلسطينية،كما يلاحظ ان المطالبة تقتصر على تجميد بعض المستوطنات التي توصف أحياناً بأنها عشوائية ربما لأنها تتعارض مع المطالبة الاميركية بانشاء دولة فلسطينية كثر الحديث عنها ونالت الاعتراف الاميركي بوضوح من خلال خريطة الطريق ومن بعدها في طروحات انابوليس، ونظرياً لن تقوم دولة فلسطينية حسب الرؤية الاميركية بوجود الاستيطان الكثيف الذي يحول دون الاتصال الجغرافي، وكان الأجدر أن تطالب الولايات المتحدة بإيقاف وتفكيك وتخلي اسرائيل بالمطلق عن كلّ مستوطناتها في الضفة والقدس وغزة. وإذا كان ذلك مستحيلاً فعليها إقناع اسرائيل بمقايضة تلك الكتل الاستيطانية الكبرى داخل الضفة الغربية بـ أراضِ عربية داخل الخط الاخضر كما فهم من اقتراح (هنري كيسنجر) وإخلاء الكتل الأخرى،وقد حاول الفلسطينيون وقد تأخروا ان يقولوا كلمتهم في ورقة الاستيطان كشرط من شروط العودة الى التفاوض مع اسرائيل لكنهم على ما يبدو اختاروا التوقيت الخطأ لاستخدام هذه الورقة.
ونقرأ في محاولات إصرار تسمين المستوطنات وضمها بأنه يندرج ضمن إطار رؤية اسرائيلية بضم الكتل الكبرى، مثل معاليه أدوميم شرق القدس العربية مما يعني إنهاء قضايا جرى تأجيلها لمفاوضات الوضع النهائي. هذا ناهيك عن أن الضم التدريجي المبرمج للمستوطنات سيمزق الارض الفلسطينية الي جانب مسار جدار الفصل العنصري الذي تصّر اسرائيل على الاستمرار في تشييده رغم علمها بمخالفته لكل الشرائع الأخلاقية والقانونية.
وأخيراً، فإن استمرار النشاط الاستيطاني الاسرائيلي داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م يعني مزيداً من الضغط على الولايات المتحدة للحصول على الدعم المالي والمعونات اللازمة، بالمقابل فإن تفكيك ما يسمى المستوطنات العشوائية يحتاج هو الأخر الي دعم مالي ايضاً ويقنع صاحب القرار الاميركي والاوروبي بأن اسرائيل لديها حسن نوايا باتجاه المضي في عملية السلام،فاسرائيل باتت ترى الاستيطان ليس فقط بوصفه نهجا احتلاليا في الارض العربية بل كونه أداة يمكن استخدامها في المعركة السياسية.
rhyasen@hotmail.com