انتخابات عربية في فضاءات طائفية ! / اسماعيل أبو البندورة

انتخابات عربية في فضاءات طائفية !
تستعد أكثر من دولة عربية في هذه الآونة لإجراء انتخابات نيابية انطلاقاً من هويات وعصبيات ومواثيق مذهبية وطائفية تتعارض مع مقومات الرابطة القومية العربية والوحدة الوطنية وتلبي الدعوات والرغبات والخطط الاستعمارية والصهيونية بأن تتحول الأقطار العربية لتكون مللا وطوائف ومكونات وتعود القهقرى إلى وضع ما قبل الدولة وترضى بفكرة الانشطار والتشطير والتخلي عن الهوية القومية الجامعة الكبرى لصالح الهويات الدنيا .
ونسأل دائما عن الموجبات التي أعادت بعض الدول العربية إلى هذا القاع وهذه المباءة الطائفية وهذا الدرك من الاعتقادات المرذولة ؟ ولماذا أصبحنا نهرب من القومية والعروبة وننحدر ونجنح إلى هذه الهويات والعصبيات التحتية التي لن تزيد الأقطار العربية إلا تشظياً ومسخاً وتبقيها خارج العصر .
الهويات الطائفية كما هو معلوم تقدم الانتماء للطائفة على الانتماء والولاء للوطن وهي تتبع بحكم التعصب والعماء الطائفي إلى المراكز الطائفية وخيارات وخطط ومضمرات وأهواء هذه المراكز ( كما هو حال الطوائف في لبنان والعراق واليمن والبحرين وغيرها من البلدان التي اصبحت تتبع المركز الطائفي والولي الفقيه في ايران ) ولذلك فهي تصبح ضد وطنية في حال أن تتعارض مصالح أوطانها مع مصالح دولة المركز المذهبي الايراني ويتم على ضوء ذلك تشتيت الولاءات الوطنية وحرفها عن مواقعها الوطنية الحقيقية والأصيلة وهذا هو الجاري في الوطن العربي الآن وهو ما أصبح يهدد ويضعف الهوية القومية ويجعل الدول العربية دولا والعرب عربين أو أعراباً وتلك الطامة الكبرى التي نشهد الآن تجسداتها وتجلياتها وأخطارها المتسارعة والمتلاحقة .
في الرؤية الاستراتيجية الصهيونية كان هذا هو المطلوب والمخطط له أي تصوير وتصور الوطن العربي على أنه جغرافيا مفتوحة والناس – العرب سكان بلا هوية والمنطقة بلا تاريخ وتحوي مللا وطوائف متنافرة وتصلح أن تكون كانتونات وملاذات وليس أوطاناً أو دولة – أمة كما يطمح العرب وهذا مما يشرعن وجود هذا الكيان العنصري الغاصب في هذه الجغرافيا المبهمة والمستباحة في الوقت الراهن .
وايران من جهتها تعادي قوميتنا وهويتنا العربية ( إذ قرنها أحد وزراء خارجية ايران السابقين بالصهيونية في مؤتمر صحفي عقده في قلب دمشق إبان العدوان الايراني على العراق وكان وزير خارجية سوريا خدام يجلس إلى جوارة ) وتتشارك مع الفكر الصهيوني في هذه الرؤية العدائية البغيضة وكليهما يسعى إلى تجسيدها بطريقته الخاصة ووفقاَ لخططه لكنهما قد يتغايران في التطبيق والأداة ، وكل ما يقوم به الكيان الصهيوني داخل فلسطين ( مع الدروز والمسيحيين لإبعادهم عن هويتهم القومية العربية وإدماجهم في الكيانية الصهيونية الملفقة هوياتياً ) وكذلك ما تقوم به إيران داخل معظم الدول العربية من استقطابات طائفية ومذهبية وإنشاء ميليشيات وحوزات تابعة للولي الفقيه تنفذ تعليماته المعصومة بدون تردد حتى لو كان ذلك على حساب اوطانها ولطالما صدرت تصريحات فجّة وواضحة عن بعض عملاء وأتباع ايران في العراق بأنهم سيقفون إلى جانب إيران في حال أن يحدث صدام بين ايران والعراق . كل ذلك يصب في الفكرة والمخطط ذاته والمجسد بالإلحاق وتغيير الهويات وطمسها وتشتيت الانتماء القومي العروبي لصالح طائفية عصبوية بغضاء وعقيمة .
الآن تدخل أمتنا العربية في هذا المخاض والصراع والارتداد بأن تتفكك الأقطار العربية وتغيب الرابطة القومية الجامعة ويتم التمهيد لتقسيم الوطن العربي تقسيماً طوائفياً مللياً إثنياً وتصبح المناداة بوحدة الأمة والوطن العربي من أساطير الأولين ، وهذا هو التحدي الخطير الذي نواجهه في المرحلة الراهنة وهو ما يستدعي وعياً قومياً بهذا التحدي لكي لا تأخذنا الترهات الايرانية بالمقاومة والممانعة بعيدا عن تاريخنا وقوميتنا ودورنا ولكي لا يأخذنا الكيان العنصري الصهيوني بالشرق أوسطية والاعتدال وكل التلفيقات المطروحة والمفترضة لكي نوقف نضالنا ضده والتنازل عن فكرة إزالته وتفكيكه .
وعلى كل من يرى في كلامنا تجنياً على أحد أن يستمع إلى الحوارات والمجادلات الدائرة حالياً على الفضائيات بين المرشحين في لبنان والعراق ليرى الفاجعة الطائفية بأجلى صورها ولكي يتصور المصير القادم القاتم لهذه الأمة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى