
لماذا يلعب الفأر في عُبّنا
أعلنت الحكومة الأردنية تسعيرة أسعار المحروقات الشهرية المعتادة، وفيها تخفيض على أسعار البنزين بنسبة 9 %، وعلى أسعار الكاز والديزل 3 %، مع العلم بأن نفط برنت الذي تربط الحكومة تسعيرتنا المحلية قد انخفض منذ شهرين وبشكل متواصل حتى وصل الآن الى 59 دولارا أي بانخفاض 30 % من سعره الذي تم وضع التسعيرة السابقة بموجبه.
من الواضح تماما أن قصة الربط بالأسعار العالمية، ما هي إلا إحدى الخدع التي تلجأ إليها الدولة في تبرير سياسة الجباية التي تمارسها جميع الحكومات المتعاقبة، لأنه عند ارتفاع الأسعار عالميا ترفع الحكومة تسعيرة المشتقات محليا وكأنها تشتري لنا النفط من بحر الشمال، مع أنه معروف أنها تشتري النفط العربي وبسعر تفضيلي، لكنها عند انخفاضها تغمض عينيها عنه أو تخفض التسعيرة بقيمة رمزية، مثلما حدث اليوم.
قد يدافع بعض الهتافين، بإن انتاج مصفاة النفط الأردنية لا يكفي، ونسبة من البنزين يتم شراؤه من السوق الخارجية، إنها حجة أقبح من الذنب ذاته، فلماذا كان التخفيض على الكاز والديزل 3 % فقط ؟، أي عُشر ما يفترض لو كانت الحسبة حقيقية ووفق المعادلة التي اعلنوها.
عندها لعب الفأر في عبي، مغريا إياي أن أتحقق من الأمر، فما تعلنه الحكومة دائما هو شذرة من الحقيقة، وتعمد الى التعمية بذكر نسب مئوية متداخلة للتضليل وإخفاء المعلومة.
قال لي الفأر: سأطلعك على حديث منشور لـ “ياسر المناصير”مدير شركة المناصير (وهي شركة تتعامل بالمشتقات النفطية)، يوضح فيها ما تتقاضاه الحكومة من رسوم وأرباح على النفط، فيقول أن هنالك سبعة بنود ما بين نسب مئوية أو مبالغ مقطوعة تفرضها الحكومة على كل لتر محروقات يشتريه المواطن، بحيث إن نسبة ما تتقاضاه الدولة يتراوح مابين 53 – 57 % من قيمة بيع الليتر الواحد، طبعا هذه قيمة صافية تحت مسمى ضرائب ورسوم، تتقاضاها الدولة خارج الكلف الأخرى، مثل أجور نقل وتكرير وأرباح محطات الوقود والتبخر.
فمن إجمالي قيمة ليتر البنزين 95 الذي يبلغ (1060 فلس)، تأخذ(560 ) فلسا صافيا، ومن البنزين 90 الذي سعره (825 فلسا) فتتقاضى الدولة منها 470 فلسا ، ومن الكاز والديزل والذي سعر الليتر (625 فلساً) تأخذ منها 220 فلساً.
قلت له: أشكرك على هذه المعلومات التي هي صادرة عن جهة مطلعة، ولا يمكن التشكيك بمصداقيتها، لأنها هي التي تبيع النفط للمواطن وتورد الأموال للدولة، وقد نفعتني بأن فسرت لي لماذا كان التخفيض في تسعيرة هذا الشهر للبنزين 9 % وللكاز 3% مع أنه يفترض أن يكونا بنسبة متساوية، بل لو كان قلب الدولة على المواطن وليس كما هو ممارس : عينها على جيبه، لكان يفترض أن التخفيض الأكبر أن يكون لصالح الفقير الذي يعتبر الكاز وسيلة تدفئته في هذا الشتاء، لذا فكونها جاءت بنسبة مقلوبة فلا شك أن تفسيرها أن نسبة حصتها الصافية من الكاز لاتتجاوز 35 %، فلا تريد تقليلها أكثر.
وسألته: لماذا تريد الدولة استبدال طريقة اقتطاع حصتها بمبالغ مقطوعة بدل نسب مئوية.
قال: كانت الدولة متخوفة من ردود فعل المواطنين من فرض الرسوم التي وصلت لأكثر من 100 % من قيمة السلعة النفطية، بعد أن ظلت تدّعي لسنوات كثيرة أنها تدعمها، فلا توجد دولة بالعالم تجرؤ على فعل ذلك بمواطنيها، لذلك لجأت الى التسلل الى جيبه رويدا رويدا، بابتكار مسميات لا أصل لها، مثل: رسوم مناولة وطوابع وبدل تخزين وبدل تبخر وبدل تأخير وضريبة عامة وضريبة خاصة وبدل دعم محروقات على فاتورة الكهرباء والماء..الخ
وأخيرا، وبعد سكوت المواطن على كل عمليات السطو على جيبه..اطمأنت الدولة الى غفلته.
لذلك وخوفا من انخفاض أسعار النفط الذي يحرجها، فتضطر الى خفض التسعيرة قليلا، مما يخفض من العوائد التي اعتادت عليها الجهات التي تتقاسمها ، لذا ستفرض ضريبتها المضمونة، وهي مطمئنة..فقد تأكد لها أن الأغنام نائمة.