محمدﷺ;يـا خَـيـرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً

محمدﷺ;يـا خَـيـرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً
شبلي العجارمة

من يباب الأرض وجغرافية العدم وُلد النور واستضاء الکون به ,كانت عبثية الوجود الإنساني تهيم علی وجهها بلا دليلٍ يأخذ بخطام البشرية ,قطعُُ من الأٓدميين تساوت بجهلها مع حجارة عبادتها ,قرابينُُ يذبحها الأحياء للحجارة الميتة فمات العقل أکثر من ميتة الحجر ,ومنهج القبلية الذي يقدس الشر المغلف بالجهل دون أدنی حاجة لإعمال العقل ولو للتفکر في مطلع الشمس وغيابها ,أو مجرد تأملٍ في فيالق أسراب الأبابيل التي نفرت لإبادة الأشرم إبرها وجيشه الأکثر خيبةً وهلاکاً لحماية أول بيتٍ وضع للناس ببکة!.
لقد ارتقی لسان إنسان ذاك الزمن بلغةٍ لم يعلم أنها ستصبح لغة الأرض التي سيشرق النور من بلاغتها ,وأنها ستحمل الرسالة والرسولﷺ,لکن العقل کان في حالة انفصامٍ تامٍ عن لغته وعن واقعه المعتم ,عن قيمه ومثله العليا ,وعن مبادٸه التي كونتها بيٸة الصحراء عبر ميادين صراع البقاء ,والبأس الذي کان يفتك بهم علی جدول ماءٍ للتنازع عليه من أجل السيادة الساذجة , أو علی سباقٍ دابتين أو علی موت ناقةٍ أقل ما يقال أکثر سذاجة من مثيلات أحداث ذاك الزمن الموغل بالوحشة والظلام .
تم تقسيم الحياة علی نظام الجندرية وقانون الذکرية البغيض بينما کان الموت أعطيةً لا شح فيها للأنثی التي کانت لا تحمل وزر أنوثتها , حتی الحرية کانت حکراً علی اللون والنسب والبطش بينما العبودية ليست أکثر أفضل حالاً من وأد الأنثی ,فکان ذنب اللون لعنةً تطارد الإنسان الذي ولد حراً بجلدٍ قال الله له کن فکان .
سياسة التبعية للقطيعين ما بين قبضتي الفرس والروم صفحةُُ سوداء لا تحمل عناوين مشرفة في حياة ديموغرافيا الصحراء ,واقتصادُُ بين دفتي رحلتي الشتاء والصيف أکثر تواضعاً من الملف السياسي البسيط ,والحياة الاجتماعية کسفينةٍ جهماء تمخر عباب البحر لکن في جنباتها أٓلاف الطعنات وفي أشرعتها تلهو الريح ما بين تمزقاتها ,لا مکان للضعفاء , ولا قيمة للإنسان بل وصلت الحال أبلغ من هذا بأن تبلغ بعض الدواب مکانةً أرقی من الإنسان في بعض القصص والتصورات البغيضة .
وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
يختصر شوقي فاصلة الزمن الکبری بهذا البيت عن ميلاد خير جبينٍ أشرقت عليه الشمس من ولد أٓدم ,محمدُُ ﷺ ,کان يحمل إنسان النور في قلبٍ وفکرٍ ووجدان أعملها مع خطوط البصر ومصاب السمع ,في نظرةٍ فاحصة متأملة تبحث ما وراء أعماق الحقيقة الماثلة ,في مساحةٍ لم تزد علی بضعة مترات لرجلٍ يفترش التراب ويتفيأ الصخر وهو يلقي علی يثرب من شرفة غاره الألم والأمل معاً ,وکل أسٸلة الکون تدور في خلده الطاهر المطهر عن الإنسان وعلاقته في هذا الوجود .
من کان يعلم أن هذه الصحراء القاحلة والخشنة بإنسانها والغارقة بالملح ستصبح أکمام زهرةٍ ستتفتح يوماً ما عن شذیً سيبقی يضوع أريجاً وطيباً حتی تنحسر السماوات وتشرق الأرض بنور ربها ﷻ?,من کان يضرب بالحصیٰ أن هذا الوليد سيکتب الله به منهج الأرض وينظم کل علاقات الکون المتشابکة من وحي السماء للأرض حتی عظمة جيش النبي الملك سليمان بوضاعة نملةٍ قالت حوراً لا زال قرأٓناً يتلی !.
بيٸة الاستحالة من الأرض اليباب ,ومن اليتم والعوز ,ومن الحياة الأشبه بالعدم ولدت حياة الحياة ,وتمخض الکون عن ولادة الکوکب الدري الذي رتب الکون بإنسانه کما أراد الله وأحب وقدر له أن يکون ,عاشت الأنثی وأبدلها محمد ﷺ بالحياة لقاء الموت الذي کان بکل تفاهة أسبابه ومسوغات وجوده يفتك بها دون أدنی ذنب يذکر ,تساوت الأنفس والقلوب رغم مفارقة اللون والنسب والنشأة والمال والجاه ,فمنح الحرية المطلقة لقاء العبودية المجحفة قبل ميلاد العلم والنور والتوحيد .
المولد النبوي ليس تاريخاً وحکايةً فحسب ,بل هو ميلاد العناوين التي أعطت للإنسان والکون قيماً کانت مندثرة ,وأوجدت کياناً للحياة كان تاٸها بلا دليل ,وکان ترسيخ المفاهيم وإعادة بريق الجوهر للفکر العقلي أبلغ من حادثة مولد وحسب , لقد صاغ النبي مُحَمَّد ﷺ بمولده کل قوانين الوجود ونظم العلاقات ورتب أولويات المکان والإنسان وبدد کل المفاهيم المخطوءة العبثية ,وأعاد الحياة بإنسانها من هامش العدم للصفحة الأولی وقد عنون هذا الکتاب بلا إله إلا الله محمدُُ رسول الله ,فکانت منهجاً علی الخط المستقيم الذي قطع ظهر کل انحناءات القوانين الوضعية وهوی الأنفس التي کانت مطيةً للشر والشيطان والجهل المستبد.
في قراءة المولد يتحتم علينا أن نکون أعمق من سطحية التقليد وأبعد من نشوة المحبة والفرح ,بل أبلغ من سرد التاريخ وتوبيخ الحاضر ولعنه في استحضار الماضي ,لنستلهم روح بعث النبوة وفلسفة المولد والسيرة وسبر أعماق العبقرية المحمدية دون الانحياز للون والعرق والنسب واللغة والمکان, کي تبقی أصداء المولد والرسالة تزلزل عروش الذات وطغاة العلمانية وغيلان الاستبداد التي تحيا علی الموت والدم والرعب وإعادة الأرض لما قبل المولد والبعث النبوي .

ولعل أبلغ ما قيل في حضرة المصطفی ﷺخالدة شاعره حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ ينشد قاٸلاً;

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني
وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرءاً منْ كلّ عيبٍ
كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى