الإمبراطورة الفرنسية ” أوجيني ” والنهايات المحزنة

#الإمبراطورة #الفرنسية#أوجيني ” و #النهايات #المحزنة
#موسى_العدوان
” أوجيني ” هي في الأصل فتاة إسبانية لأب من أحد النبلاء الإسبان، تعلمت في فرنسا وأجادت اللغات الإسبانية والإنجليزية والفرنسية. وصادف أن كان إسماعيل الذي يعود في جذوره إلى عائلة محمد علي الحاكمة في مصر، يدرس في نفس الجامعة التي درست فيها أوجيني. أحب إسماعيل تلك الفتاة ولكن لم يصرح بحبه لها، كما أعجب نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، بجمالها وذكائها وشخصيتها القوية والجذابة.
تزوج نابليون من أوجيني عام 1853 رغم معارضة عائلته، لكونها من عامة الشعب وليست فرنسية، وبنى لها قصر ( التوليري دي باري ) والذي كان أهم معالم باريس في ذلك الزمان، ولكن ذلك أصاب إسماعيل الذي كان يحبها دون إعلان، بالصدمة والحزن الشديد. أصبحت أوجيني بعد ذلك إمبراطورة فرنسا بلا منازع، وعاشت مع زوجها في قصر التوليري 17 عاما، أنجبت منه ولدا سمياه لويس بونوبارت. عندئذ قررت أوجيني أن يكون لها دور في الشؤون السياسية للبلاد.
أغرق الإمبراطور زوجته أوجيني في الترف والحفلات وشراء الملابس، لدرجة أنه أمرأن لا تلبس الحذاء أو الفستان إلاّ مرة واحدة. وعلى الرغم من أن الشعب الفرنسي أحبها في البداية واعتبرها إحدى بناته، إلاّ أن كراهيته لها بدأت تتزايد، بعد أن انتشرت القصص عن بذخها وإسرافها بأموال الدولة، وتحكّمها بالإمبراطور نفسه. وقد أصبح لدى الشعب الفرنسي شعور بأن أوجيني، هي التي تحكم فرنسا وتدير شؤونها السياسية، وأن سطوتها أكبر من قدرة الإمبراطور، باعتبارها الحاكم الفعلي لفرنسا. لذلك تعرضت هي وزوجها لمحاولة اغتيال فاشلة خلال زيارتها إلى دار الأوبرا.
ومن ناحية أخرى، فعندما عاد إسماعيل من فرنسا ليتولى الحكم ويصبح خديوي مصر عام 1863، بعد مصرع شقيقه في حادث غامض، فقد استغل الخديوي إسماعيل افتتاح قناة السويس عام 1869 ووجه الدعوة لأوجيني لزيارة مصر. واستعدادا لقدومها كان الخديوي قد قام ببناء قصر الجزيرة في القاهرة على نهر النيل قبل قدومها بست سنوات، والذي صُمم بأساليب تجمع بين قصر توليري الذي تقيم فيه أوجيني في باريس، وبين مزايا قصور الأندلس حيث كان مولدها ونشأتها. قُدرت تكاليف بنائه بِ 750 ألف جنية، وهو ما يوازي مليارات الدولارات بمقياس ذلك الزمان. ثم أنشأ أمام القصر حديقة تزينها كل أنواع الزهور التي تحبها أوجيني، وأنشأ لها طريق الهرم.
استقبل الخديوي إسماعيل الإمبراطورة أوجيني في بور سعيد، حيث كان البذخ والإسراف في حفل افتتاح القناة حديث الناس، كما أن مبالغة الخديوي باستقبال أوجيني، قللت من قيمته كحاكم لمصر، وشكّل استقبالها إيحاءا بأن أوجيني هي حاكمة مصر. وقد قالت أوجيني : ” لم ارَ في حياتي استقبالا أروع من استقبال دول الشرق لي “.
عاشت الإمبراطورة أوجيني مع الخديوي إسماعيل في مصر حياة بذخ وترف. وكان مما طلبته منه أن تركب حمارا وتتجول به في أحياء القاهرة، وأصرّ الخديوي على أن يصحبها في جولتها راكبا هو الآخر حمارا. وهكذا بالغ خديوي مصر بإهدار كرامته وكرامة وطنه من أجل هذه السيدة.
وفي باريس بدأ الشعب يتحدث عن العلاقة بين أوجيني إمبراطورة فرنسا وخديوي مصر. فاستشاط نابليون غضبا وأمر بعودتها إلى فرنسا. وأصر إسماعيل على أن يودع أوجيني بأسلوب خاص، فأهدى لها غرفة نوم من الذهب الخالص، بها ياقوتة حمراء كتب عليها عبارة ” عيني ستظل معجبة بك إلى الأبد “.
عادت أوجيني إلى باريس وكان الإمبراطور نابليون قد أعلن الحرب على بروسيا، وعلى الرغم من أنه حشد جيشه واستخدم كل موارد الدولة، إلاّ أن تعرض لهزيمة قاسية في معركة سيدان، أدت إلى حصار باريس. عانى الشعب الفرنسي من الفقر والجوع، حتى اضطر الفرنسيون إلى أكل لحم الكلاب.
فتزايد سخط الشعب وغضبه على الإمبراطور وزوجته، واتجهت المظاهرات إلى قصر” التوليري دي باري “، مما اضطر أوجيني إلى الهرب من باريس مع ابنها، وهي فقيرة لا تملك شيئا بعد أن سرق خدمها الجواهر والملابس، واتجهت إلى إحدى قرى الريف الإنجليزي، لتعيش سنوات ذليلة وحيدة، بعد أن قامت عصابة بقتل ابنها.
أما الإمبراطور نابليون الثالث فقد تعرض لهزيمة مريرة من قبل البروسيين متمنيا الموت، وظل يعاني مرارة الفقر والذل والهزيمة، لمدة عامين حتى مات عام 1873 في لندن بعد عملية جراحية، وظل الشعب الفرنسي يكره هذا الامبراطور وزوجته أوجيني.
وكذلك كانت نهاية الخديوي إسماعيل لا تقل قسوة وبشاعة عن نهاية نابليون الثالث وزوجته. فبعد أن أغرق مصر بالديون، تزايدت حالة مصر سوءا ولم تستطع تسديد فوائد ديونها، مما أدى إلى فرض الوصاية الأوروبية عليها. لذلك طلبت تلك الدول خلع الخديوي إسماعيل، وتنصيب ابنه توفيق في مكانه. واضطر إسماعيل أن يرحل عن مصر ذليلا تاركا بلاده تواجه أطماع الأجانب.
عاش الخديوي إسماعيل في منفاه في نابلي، وانتشرت في جسده الأمراض الناتجة عن الحزن، ومات عام 1895 بعد سنوات تمنى فيها الموت، وعندما عادت جثته لتدفن في القاهرة، تجاهل الشعب المصري جنازته. فكانت تلك هي النهاية التي تليق بحاكم يطلق العنان لشهواته، ويغرق بلاده في الديون.
المراجع :
• كتاب أشهر الملكات في العالم / خليل حنا تا دروس.
• مقال للأستاذ سليمان صالح.
• مقالات ونشرات متفرقة.
التعليق : هذه هي النهايات المحزنة لنابليون الثالث، إمبراطور فرنسا وزوجته الإمبراطورة أوجيني، ولخديوي مصر، الذين وضعوا مقاليد حكمهم وسياسات دولهم بيد النساء، فكان البذخ في الصرف، على الحفلات والملابس الثمينة والزيارات الترفيهية، على حساب أموال الشعب. فغضبت شعوبهم وثارت عليهم وأسقطتهم عن عروشهم غير مأسوف عليهم.
وفي هذا درس بليغ لمن يعتبر من رؤساء دول العالم الثالث، فالعاقل من اتعظ بغيره . . أما المستبد المتغطرس فلا يتعظ إلاّ بنفسه . . ولكن بعد فوات الأوان . . !
التاريخ : 1 / 10 / 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى