.لقاء قصير

[review]الثلاثاء 13-10-2009

..مساء أمس الاثنين ، كان الغروب يلملم الناس من الشوارع كطالب يجمع آخر محاضراته،البنايات المعتقة بالزمن ودخان السيارات وأنفاس الناس في شارع الملك فيصل،بدأت تنظر الى معصم الشمس لتغمض جفنها على يوم آخر..

كيف طلع أمامي فجأة لا أعرف؟؟صدقوني أنا لا أكذب لكني لست صادقاً تماماً ..لقد شاهدته ، هناك في وسط البلد ، انحنى إلى إحدى "البسطات" تناول "باكيت سجائر"..أعطى السيدة الجالسة ثمنه..اخذ المتبقي، كان بيده كيسا أسود يصدر رنيناً زجاجياً..التفتَ التفاتة الخائف والمطارد والهارب والتائه وهمّ بقطع الشارع الى الجانب الآخر..كذّبت نفسي في أول المشهد ، ثم تيقّنت انه هو ، أعرف حركاته جيّداَ..مستحيل، كيف عاد؟!! ثم تداركت نفسي وخفت أن يذوب في الغروب قبل ألتقيه..صحت به ..محمّد طُمّلية؟؟ التفت إليّ ، تفحص وجهي ،عقد حاجبيه كمن ينظر إلى إعلان حائطً..قلت له بصوت متهدّج: محمّد طمّلية..وحضنته بقوّة.. هو اكتفى بمعانقتي بيد واحده في حين بقيت يده الأخرى تحكم خناق الكيس الأسود..كانت له رائحة التراب،والعشب المبتل ، كان يلبس قميصاً قطنياً لا لون له،وبنطال من لون القميص.. حكّ صدره قليلاً ..ثم قال لي بنبرة متقطعة تشبه بوح المزراب في الشتوة الأولى ..كيف أتيت؟!!..قلت له : انت كيف أتيت؟!..دفعني بقبضته..وقال :ليس شأنك!!..أزال الخيط الشفاف..عن علبة السجائر وبدأ بالتدخين..وافيته بكل التفاصيل منذ رحيله في 13/10/2008 الى لحظة لقائه..
– أنا: ابسط!!لقد أقاموا لك تأبيناً في شومان،يقوم ويقعد ، لكنّي لم احضر..
– طملية: أكيد ،فــ"نذالتك" جعلتك تعتذر بسبب المواصلات..
– أنا: ليس تماماً، ماذا أفعل بتأبين..انت نفسك لن تحضره؟؟..
– طملية: ماذا ايضاَ!!
– أنا: كتب عنك الزملاء والزميلات، وقالوا شهادات بحقّك ترفع الرأس، والكل ادعى صداقتك ، وأنه يحمل ذكريات نوعية معك..حتى أنا ادّعيت أني أعرفك أكثر منك..
– طملية: ماذا بعد؟!
– أنا: لك صفحة على "الفيس بوك" ترعاه مجموعة من الصبايا والشباب المحبين!!
– طملية: حلو ، وماذا بعد؟
– أنا :هناك جائزة أقيمت باسمك، باسم "محمد طملية" للمقالة الاجتماعية، ثم كتبتها على الهواء باصبعي مفتخراً ، ثم اردفت ..هذه الجائزة رحب بها كل الاصدقاء لكن لم يتبرع لها أي من الأصدقاء !!…
– طملية: حلو ، ماذا بعد.؟!
– أنا :اليوم، رابطة الكتاب ستحيي الذكرى السنوية الأولى لرحيلك تكفيراً عن نسيان تأبينك!!
– طملية: ماذا بعد!!
– أنا :على الصعيد السياسي؛ لم يفتك شيئاً، فكل الأحداث معادة!!

هنا أطفأ طملية سيجارته تحت قدمه اليسرى..ثم رفع رأسه وكأنه يريد ان يكلمني بأشياء جادة..قلت له: الان دورك، حدثني بالتفصيل ماذا حدث معك هناك؟!…ابتسم ابتسامة الحريص وقال:يا حمار!! من يذهب الى مركزٍ امني يخجل ان يذكر ما حدث معه!! تريدني..أن أذهب الى (هناك) وأروي لك تفاصيل ما حدث معي؟؟..ضحكنا مقتنعين بصعوبة الموقف ،ثم استأذنته بتناول كوبين من السوس من محل قريب..تركني أتحدّث مع البائع ثم غافلني وركب بــ"سرفيس" مكتوب عليه.."وسط البلد- سحاب- دار الحق" وبالعكس..تاركاً كوبه على رخامة الكافتيريا..وسيجارته الثانية مشتعلة فوق الرصيف…
**
محمد طملية "اشتقت لك" يا رجل!!

مقالات ذات صلة

*الى محمد طملية في ذكراه الأولى.

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى