اعرب ما تحته خط / يوسف غيشان

اعرب ما تحته خط

نحن اطفال الأردن في الستينيات من القرن المنصرم وما قبلها، لم نعش طفولة بالمعنى الحقيقي ، ولا حتى المجازي ، بل كان مجرد (مزغر). كنا- او بالأحرى اغلبنا- اولاد شوارع ومزابل، ولا تصدقوا من يدعي عكس ذلك.
كنا نلاعب الحيايا والعقارب والصراصير. كانت لهاياتنا مكونة من شريطة وسخة بداخلها حبة حلقوم متعفنة. وكلاسيننا كانت مفصلة كيفما اتفق من شوالات طحين اللاجئين المطبوع عليها(هدية من شعب الولايات المتحدة)…ببساطة لم تكن طفولة بقدر ما كانت دورة صاعقة.
نجا منا من نجا بالصدفة، فانتقلنا الى مقاعد الدراسة ، في مدارس اكثر بؤسا من بيوتنا. لنقرأ عن الصديقين سمير وسلمى ورحلاتهما في ربوع العالم ، وما زلت حتى الان اتمنى الحصول على بلوزة مثل تلك التي كان يلبسها سمير. اقصد ان المدرسة(فرجتنا) كيف يعيش اطفال العالم، مما زاد من وعينا ببؤسنا المؤزر، ومن إحساسنا بالتهميش المطلق. بالمناسبة (ركّزت) على البلوزة ، ولم اتعلم اللغة الإنجليزية من سمير وسلمى.
اما اكثر ما يفجعني في المراحل الدراسية الأولى ، هو قصة (اعرب ما تحته خط). معلمونا كانوا من خريجي ذات المدارس، لذلك كان اغلبهم(طناجير) في النحو، وكان الدرس مجرد مقرر ينبغي ان يحفظوننا اياه ، لذلك خرجنا اكثر طنجرة من معلمينا في مجال الإعراب والنحو، ولم اتعلم النحو – نسبيا- الا بعد ان استغليت فترة اعتقالي لخمسة اشهر عام 89 فقرأت تفسير الجلالين 12 مرة على الأقل، مما جعلني افضل قليلا من جاهل في مجال النحو.
علمونا في المدارس ، او حاولوا ذلك ، ان نعرب ما تحته خط.
علمونا ان نعرب عن اسفنا، وعن تعاطفنا وعن تضامننا وعن وعن وعن…
لكنهم لم يعلموننا كيف نتعامل مع اعراب الثقافة والسياسة والحياة.
– لم يعلموننا كيف نحاور
– وكيف نقبل الآخر
– وكيف نفكر
– وكيف نبتكر
– ولا كيف نتعامل مع الآخرين
– ولاولاولاولاولا.

قضيناها(اعرب ما تحته خط)
حتى تحولنا الى (لا مكان له في الإعراب)،
هكذا عدنا من بناة حضارة ..الى مجرد اعراب.
وتلولحي يا داليه
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى