العبرة في سرّ الحياة

العبرة في سرّ الحياة
موسى العدوان

تقول إحدى الأساطير القديمة، أن أحدهم امتلك ثروة كبيرة، جعلته يتمتع بمختلف مباهج الحياة. وفي أحد الأيام التقى برجل حكيم، كان قد سمع عن ثرائه وما يتمتع به من نعيم فخاطبه قائلا : أعلم بأنك تمتلك أموالا طائلة، وفّرتْ لك جميع ما تطلبه النفس في الحياة الدنيا، ولكنك مع كل هذا عجزت عن امتلاك ” سر الحياة “، ثم اختفى الحكيم خلف الأفق.

راح الثري الذي عُرف بطموح لا حد له، يفكّر بسرّ الحياة وكيف يمكن أن يمتلكه ؟ وطفق يبحث عن غايته في أرجاء الدنيا، لعله يجد من يهديه إلى سرّ الحياة. وبعد عناء طويل وزيارات متواصلة في أرجاء العالم، وجد أخيرا من يقول له، أن طلبه لا يعرفه إلا كاهن يعيش في الصين.

عثر صاحبنا على طرف الخيط وأصرّ على زيارة ذلك الكاهن، فركب الطائرة وتوجه في طريقه إلى الصين. وهناك أكدوا له أن الكاهن يسكن فعلا في أعلى قمة من جبال التبت، ولا يمكن الوصول إليه إلا سيرا على الأقدام نظرا لصعوبة طبيعة تلك الجبال .

مقالات ذات صلة

لم تكن طائرة الهليوكوبتر قد أخترعت بعد، ولم يكن صاحبنا مظليا كي يهبط بمظلته على قمة الجبل. فهذا الحال يتطلب منه الاعتماد على قدميه في تسلق الجبال الشاهقة، وشق طريقه بمعرفة دليل محلي كي يصل إلى مكان سكن الكاهن والتحدث معه. ولكون هذا الثري طموحا ويمتلك إرادة قوية، أقدم على المهمة بإصرار، وبدأ برحلته الشاقة التي استغرقته أياما عديدة، وإجهادا لم يقارفه من قبل.

وصل أخيرا إلى مكان سكن الكاهن المقصود، فوجده يعيش في مغارة قديمة تشبه في طابعها مساكن العصور الوسطى، فاستقبل الكاهن ضيفه الغريب بالترحاب والتهنئة بالوصول إليه رغم العناء الكبير. وبعد فترة من الراحة شرح الدليل للكاهن مطلب الزائر الذي جاء ساعيا إليه من مكان بعيد. فدخل الكاهن إلى مخدعه ثم عاد برسالة مغلقة وسلمها إلى الدليل، طالبا إليه أن لا يفتحها إلاّ بعد هبوطه عن الجبال، والجلوس على شاطئ النهر الأصفر .

هبط الرجلان من الجبال واستقرا في المكان المحدد، ففتح الدليل الرسالة، وقرأ فيها على مسامع الثري ثلاث كلمات فقط هي : ” وهذا سيمضي أيضا “. فهم الباحث عن سرّ الحياة بعد هذا العناء الطويل، أن كل الثروات والأموال التي جمعها مصيرها إلى الزوال . . وآمن بما ورد في قوله تعالى : ” كل من عليها فان * ويبقَى وجه ربك ذو الجلال والإكرام “.

السؤال الذي يبحث عن إجابة الآن وفي كل حين هو : هل يشكل ” سر الحياة ” عبرةً للصوص، الذين يسرقون أموال الشعب، ثم يمضون إلى نهايتهم مجردين من كل شيء ؟

6 / 4 / 2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى