رسالة من خريج هندسة وراثية الى وزير الصحة “أريدكم فقط أن تبتعدوا عن شمسي” / رمزي فودة

رسالة من خريج هندسة وراثية الى وزير الصحة

أريدكم فقط … أن تبتعدوا عن شمسي”

رمزي فودة

سيدي وزيرالصحة ، تمعّن في الصّياغة جيدا. ألا ترى الذّل يقطر من حروفها؟ ألا تطالعك العبودية وهي ترزح تحت أرقامها؟ إذن دعك من هذا، ولا تنتظر منّي أمرا مماثلا.
سأكتفي فقط بأن أطرح عليك بعض الأسئلة (باعتبارك مسؤولا).
لقد أصدرت بجرّة قلم واحدة وبإمضاء لم يستغرق أكثر من ثانيتيْن ألحكم بموت نظام الهندسة الوراثية وليس ذلك فقط بل قمت بأقصاء جميع حملة هذا التخصص من اللجنة وأستبدلتهم بأصحاب النفوذ في مراكز الوراثة الذين هم بالاساس سبب معاناة حملة تخصص الهندسة الوراثية لتتحول من لجنة لحل مشكلة شباب تعطلوا عن العمل الى لجنة محاصصة لتوزيع ما تبقى من احلام هذه الشباب على اقطاعيين الصحة الجدد .
لقد زرعت في ارواحنا المهشمة الامل عند رؤية نظام الهندسة الوراثية موقع وجاهز فلامست احلامنا الحقيقة ولكن جرة قلمك سرقت منا الامل وحطمت تلك الاحلام .
فهل فكّرت لثانية واحدة قبل الثانيتيْن في التعهدات التي اطلقها معاليكم في الجلسة التي عقدت امام اللجنة الصحية في مجلس النواب من اضافة اشخاص متخصصين للجنة وتكثيف الجلسات للأسراع بوضع نظام الهندسة الوراثية بعد اكثر من عام ونصف من المماطلة بوضع النظام ؟
الم تفكر بجرة القلم هذه قد انقلبت على جميع التعهدات التي اطلقتها امام اللجنة الصحية فقد قمت بأقصاء جميع من تم اضافتهم بتلك الجلسة لا وبل اقصيت ايضا ممثل الجمعية التي هي صاحب القضية منذ اكثر من 8 سنوات
الم تلاحظ ان اعادة تشكيل اللجنة يعني الغاء النظام الذي انجز سابقا والذي استغرق عام ونصف مع المماطلة وسنعود لنقطة الصفر ومن البداية وهذا عكس تعهدك الثاني بالاسراع بوضع النظام
إنّ أولئك الشباب من حملة الهندسة الوراثية الذين عطلوا عن قصد عن العمل ل اكثر من 8 سنوات والسبب عدم وجود نظام يحكم مهنتهم كما قال ديوان الخدمة المدنية بخطابه الموجه لرئاسة الوزراء فقد بلغ عدد المتعطلين منهم عن العمل اكثر من 94% منهم فقد كان هذا النظام أخر امل لدينا وبجرة قلمك الغير مسؤول قد قتلت هذا الامل داخلنا جميعا .. -هذا ليس حكرا عليك سيدي الوزير- هم الشباب أنفسهم الذين تدرج مسلسل قتل الامل من داخلهم منذ دخولهم لهذا التخصص ، الشباب أنفسُهم الذين خدعتهم جامعاتهم بتخصص ذو اسم مبهرج وجمعت منهم ملاين الدنانير كتجارة قذرة لا تختلف كثيرا عن الاتجار بالبشر فهذا الاخير يتاجر بالاجساد وجامعاتنا تاجرت بالارواح والامال والشباب وليس هذا فقط فقد اطلقت لنا وعودا بمستقبل مشرق وأمل لا تغطيه الشمس وعند تخرجهم اكتشفو ان كل واحد منهم ما هو الا دونكيشوت يحمل اضغاث احلامه الكاذبة ويلهث ورائها ولن ينولها . أولئك الشباب لا يطلبون سوى نظام وما النظام يا سيدي الوزير ليس الا حبر على ورق ، لا يطلبون سوى فرصة لإعادة بناء حياتهم المحطّمة أصلا.
ألم تفكر لحظة واحدة في مصيرهم بعد أن اتخذت قرارك؟
أم أنك لا تجد مقتطعا من وقتك الثمين لكي تفكّر؟
الم تكن مصغيا لجلالة الملك عندما اوعز لكم بالتوصية بالشباب وتسهيل القوانين لهم لا وبل طلب من معاليك بحل مشاكلهم بنزول معاليكم الى الميدان لتبحث عنها .
تخيّل للحظة أيّ حياة يمكن أن يعيشها شاب تحطّمت آماله بمجرد جرّة قلم غير مسؤول من “مسؤول” سامي في الدولة: (ومن البداهة أنّ القلم لا يشعر ولا يفكّر)
1- قد يسقط مثلا في إدمان الخمر والمخدرات لينسى أحلامه المنهوبة وربما يتطور به الأمر ليصبح عضوا في عصابة تهريب أو سرقة إلخ إلخ. لن يفكر حينها في القوانين التي حطمت حياته وقد استوت الأضداد أمامه، لن يخيفه السجن، سيجازف فإما أن يصير كائنا بشريّا وإما أن ينتهي إلى زنزانة تأكل فيها الحشرات والفئران لحمه المشوّه بالندوب بعد أن أكل اليأس روحه.
2- قد يعتقد أن الله غاضب منه، لذلك تحطمت حياته. وللتكفير عن ذنوبه عليه أن ينخرط في مجموعة جهادية ويحاول أن يعوّض ما خسره في الدنيا ربحا للآخرة. حينها لن يمنعه أي وازع أو قانون من القيام بأعمال إرهابية. قد ينجح في إقامة إمارة لاستبدال القوانين التي ذبحته بقوانين أخرى يذبح بها وقد يأكل جسده الرصاص في مواجهة ما،
3– قد يوظّف قدرته لخدمة أي جهاز مخابراتي أجنبي ويبيع هذا الوطن بحفنة من الدولارات، وما كل هؤلاء سوى شباب كرهوا وطنهم بسبب قوانين وقرارات سرقت مستقبلهم ورمتهم نحو المجهول .

مقالات ذات صلة

أما بالنسبة إليّ فلا يعنيني هذا كلّه.. فقط أتذكّر في هذه اللحظة قصة ديوجين -ذلك الفيلسوف الذي قضّى حياته مُهمّشا يسكن برميلا- حين أتاه الإسكندر الأكبر ملك العالم و عرض عليه أن يمنحه كلّ ما يطلب، فأجابه ديوجين:
– إنك تقف أمامي و تحجب عنّي أشعة الشمس، لا أريد شيئا. فقط ابتعد عن شمسي.
قال الإسكندر المقدوني:
– لو لم أكن الإسكندر لتمنيت أن أكون ديوجين.
.. أنا أيضا لا أطلب منك شيئا ولا أرغب في إثارة اهتمامك أو في جعلك تتمنى أن تكون مثلي. أنا أطلب منك فقط أن تبتعد عن شمسي.
لن أرمي بنفسي ولن أكون مجرما ولا إرهابيا ولا عميلا .. فقط سأكون ذلك الحالم بالشمس، وسوف أنفق في سبيل ذلك كل ما أملك من طاقة وحبر وأوراق. ولن يكون الظلم الذي تعرّضت له سوى دافع للحرية والانعتاق بعيدا عن كلّ الحسابات لأنّني سيّدي الوزير ببساطة ” لا آمل في شيء.. لا أخشى شيئا.. ، فأنا حرّ”. وهي الجملة التي طلب المفكر والمبدع اليوناني نيكوس كازنتزاكيس أن توضع على شاهدة قبره. إنها الحرية القصوى التي لا يمتلكها إلا أولئك الذين يحاولون دائما التحديق في وجه الشمس. أولئك الذين كابدوا من أجل تحقيق حريتهم وإنسانيتهم بالاحتجاج والتمرّد والفنّ والفكر في هذا العالم المتوحّش.
التحديق في وجه الشمس أمر صعب حقا على أولئك الذين تعوّدوا الاسترخاء في قصورهم الفخمة، ولكنه أمر هيّن بالنسبة إلى الذين قضوا سنوات حياتهم تحت أشعتها حتى غدت أرواحهم موشومة بلهبِها أو الذين قضوا أغلب وقتهم في مطاردتها في الكتب واللوحات و الأغاني..

حين تتحول الكتابة بالحبر إلى وسيلة غير مجدية للتعبير عن محنة الوجود الإنساني
لذلك أطلب منك أن تبتعد عن شمسي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى