الأسباب الحقيقية لتدني نسبة النجاح في الفرع الأدبي / موسى أبو رياش

الأسباب الحقيقية لتدني نسبة النجاح في الفرع الأدبي
حسب المؤتمر الصحفي لوزير التربية لإعلان نتائج امتحان الثانوية العامة صيف 2016، فإنه تقدم للفرع الأدبي 6039 طالباً وطالبة، نجح منهم 1098 طالباً وطالبة بنسبة نجاح بلغت 2ر18 بالمئة. وهذه النتيجة تعد كارثة وطنية، وهي عار على وزارة التربية وكادرها، وخاصة قيادات الصف الأول التي تخطط وترسم وتضع التعليمات والأسس والإجراءات، وتتغنى بالتطوير والإصلاح وتغير النهج والأسلوب، وخاصة في عهد الوزير المنقذ!
وللأسف الشديد فإن معظم من يحللون أسباب تدني هذه النسبة يذكرون أسبابا واهية، من مثل: ضعف المعلمين، صعوبة الأسئلة، خلل بنية الامتحان، خلل المناهج، البنية التحتية، …. الخ من هذه المعزوفات المملة. ويبتعد الجميع قصداً أو جهلاً عن الأسباب الحقيقية لهذه الكارثة المعيبة بحق الوطن.
كل الأسباب التي يذكرها الخبراء التربويون والمسؤولون في وزارة التربية وبعض الكتاب لتفسير سبب تدني نسبة النجاح قد تلعب دوراً، ولكنه دور هامشي ثانوي، كونها أسباب مشتركة بين جميع الفروع، ولا تصلح لتفسير هذا التدني الكبير. والحقيقة أن معظم طلبة الفرع الأدبي مُرغمون على دراسة هذا الفرع، ولا يرغبون فيه، ولكن اضطرتهم الظروف لذلك. والمضطر لا يُؤاخذ، ولا يُحاسب، ولا يُعتد بتواجده ضمن هذا الفرع أبتداءً… وتفصيل ذلك:
أولاً: إن معظم طلبة الفرع الأدبي لم يختاروا الفرع الأدبي كخيار أول، وربما كان الاختيار الثالث أو الرابع أو حتى العاشر لهم عند التوزيع بعد العاشر، فكانوا يرغبون بالفرع الصناعي أو الإدارة المعلوماتية أو الفرع الزراعي وغيره. وإن نسبة من اختار الفرع الأدبي كخيار أول نسبة ضئيلة جداً، وخاصة عند الذكور.
ثانياً: كثير من طلبة التدريب المهني قاموا بالتحويل إلى الفرع الأدبي، هروباً من الأسوأ إلى السيء(بنظرهم)، وفضلوا أن يحصلوا على توجيهي أدبي راسب، على التدريب المهني، لأسباب اجتماعية طبعاً. ومعدلاتهم للتصنيف تقل عن 50%.
ثالثاً: في كثير من المدارس في الأطراف، ولبعدها عن مراكز التدريب المهني، فإنه قد سُمح للطلبة بدراسة الفرع الأدبي مهما كانت معدلاتهم التصنيفية بعد الصف العاشر. ولا تنطبق عليهم أسس وتعليمات التوزيع إلى فروع التعليم المختلفة.
وهذا يعني أن الفرع الأدبي هو تجمع لخليط من الطلبة لا تجانس أكاديمي بينهم، قلة منهم اختارت الفرع عن رغبة وقناعة، ومعظمهم اضطروا لدراسته هروباً من التدريب المهني أو لفشلهم بدخول الفروع الأخرى.
أي أن من قاموا بالتحويل من التدريب المهني إلى الفرع الأدبي مهما كانت الأسباب لا يصلحون أساساً للتقدم لامتحان الثانوية العامة لضعفهم التحصيلي الكبير، ومحدودية قدراتهم الأكاديمية، ولكن التحويل منحهم فرصة ليست لهم.
أما الذين دخلوا الفرع الأدبي لفشلهم في دخول الفروع الأخرى، فلم يستطع معظمهم تقبل هذا الفرع أو التكيف معه، وما كان دوامهم في المدرسة إلا تزجية للوقت، وهروباً من توبيخ الأهل.
صحيح أن نسبة النجاح يجب أن تأخذ في حسبانها كل المتقدمين للامتحان، ولكن النسبة الفعلية هي فقط للذين اختاروا الفرع الأدبي عن رغبة وقناعة. قد يقول البعض وأين الامتحانات المدرسية التي تغربل هؤلاء الطلبة؟ للأسف أن العاطفة التي ما زالت تتحكم في كثير من المعلمين، والتدخلات الاجتماعية والرسمية تلعب دوراً كبيراً في تأهيل هؤلاءالطلبة لامتحان الثانوية العامة، وهم أبعد الناس عنه.
وللتوضيح أضرب مثلاً… لو نظم ناد رياضي سباقاً للضاحية وأشرك فيه، ثلاثة عدائين معروفين، وثمانية من العُجز، وخمسة من المعاقين حركياً … وأنهى السباق ثلاثة فقط… فهل نقول أن العُجز والمعاقين فشلوا؟ أم أن النادي المنظم هو الفاشل؟؟
وعليه، فإن سياسات وزارة التربية وتعليماتها هي التي ضربت الفرع الأدبي في مقتل، وهي من تتحمل مسؤولية هذه النتيجة المخزية والمؤلمة. ولكن وزير التربية –كعادة كل مفلس- يأبى إلا يتنصل من المسؤولية ويحملها للحلقة الأضعف وهم المعلمين. وكأنه يعيش في عالم آخر، فالمعلم الذي يُدرِّس طلبة الفرع العلمي هو نفسه الذي يُدرِّس طلبة الفرع الأدبي في المدرسة ذاتها، ويبذل مع طلبة الفرع الأدبي أضعاف أضعاف ما يبذله مع طلبة الفرع العلمي دون جدوى، فمعظم هؤلاء الطلبة لا يعنيهم ما يقوم به المعلم، بل إن بعضهم يشفق عليه أن يشقى ويتعب مع أنهم يقولون له -تصريحاً أو تلميحاً- لا تتعب نفسك، فما نحن بدارسين ولا مهتمين، وما نحن لك بسامعين!
الإجراءات الأخيرة لوزارة التربية بإلغاء فرع الإدارة المعلوماتية، وإدخال مادتي الرياضيات والفيزياء العلمي كمواد أساسية للفروع المهنية، قد تؤدي إلى تفضيل الفرع الأدبي عند كثير من الطلبة، كونه أهون الشرين، فهو أسهل من العلمي والصناعي بالتأكيد. وهذا سيحسن بالضرورة من مستوى طلبة الفرع الأدبي، وارتفاع نسبة النجاح فيه، وسيظهر ذلك جليا في الدورة القادمة إن شاء الله.
ختاماً… إن سياسة وزارة التربية وتعليماتها وإجراءاتها، هي عامل أساسي وحاسم في كل نتيجة، سواء في المرحلة الثانوية أو الأساسية، ومن العبث والمخجل أن تتنصل من المسؤؤلية، فالمعلم هو موظف عندها في النهاية، وتتحمل هي أي ضعف عنده كما تزعم، والمناهج هي التي تضعها، وتتحمل هي مسؤولية أي خلل أو صعوبة فيها، والبنية التحتية هي مسؤولة عنها بالدرجة الأولى. ولكن وزير التربية -الذي لا يعنيه للأسف إصلاح التعليم بقدر ما يعنيه تسجيل مواقف وتعداد إنجازات وإن على الورق- تعود أن يُلقي باللائمة على غيره، ابتداء بالمعلم وانتهاء بوزراء التربية السابقين، الذين لم يقوموا بواجبهم كما يزعُم، ولولاه –كوزير عبقري مُلهم- لتدهور التعليم أكثر فأكثر ولحلت الكارثة بالجيل.
قليلاً من التواضع مطلوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى