الأزمة المالية والاقتصاية في الأردن

الأزمة المالية والاقتصاية في الأردن
م. عبد الكريم أبو زنيمة

هذا العنوان هو اسم الكتاب الذي صدر حديثًا لمؤلفه الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، تضمن الكتاب السياسات العامة للدولة السياسية والاقتصدية والمالية للفترة من عام 1967 – 2018 في أربعة فصول، شخّص الكاتب في الفصل الأول الاقتصاد الأردني للفترة 1967 -1989 وخصائصه وتأثير العوامل الخارجية والداخلية عليه كما حدد الأسباب التي أدت الى انفجار الأزمة المالية عام 1988/1989، أما في الفصل الثاني فقد وثق المؤلف بالتفصيل برامج التصحيح الاقتصادي وخصخصة مؤسسات الدولة وتبديد عوائدها على مشاريغ غير إنتاجية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية على المواطن الأردني، في الفصل الثالث تعمق المؤلف في سرد خطط التنمية في العقود الماضية وأهمية قطاعي الصناعة والزراعة في تسريع عجلة النمو الاقتصادي وطاقتهما التشغيلية للأيدي العاملة، كما حدد الأسباب والتحديات التي تواجههما وكذلك بيّن أثر السياسات الليبرالية التي أدت الى تدهورهما وانهيارهما، أما في الفصل الرابع فيبين المؤلف الموازنات الحكومية للفترة من 1970 -2018 وخلاصة السياسات المالية التي أدت إلى تفاقم الأزمات التي نعيشها، ويبين بشكل واضح وجلي وبلغة الأرقام أثر السياسات الضريبية على تراجع النمو الاقتصادي وانهيار القيمة الشرائية للرواتب والأجور وارتفاع معدلات البطالة، ويبن أنّ هناك قصور في الرؤيا الوطنية للاقتصاد؛ إذ تقدر نسبة ضريبة الدخل من إجمالي الإيرادات الضريبية 22% مقابل 78% من الإيرادات الضريبية غير المباشرة وهذا يعني التخلي عن المبادئ الدستورية التي تنص على “مبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية” وتطبيق مبدأ “المساواة في توزيع العبء الضريبي” وهذا يعني تراجع نسبة مساهمة أصحاب الدخول المرتفعة ضريبيًا،فكلما ازدادوا ثراء انخفضت نسبة مساهمتهم في الإيرادات الضريبية، وبذلك يبين الكاتب أن هناك سياسات ضريبية غير دستورية!
هذا ملخص مختصر جداً لما تضمنه الكتاب من معلومات قيّمة ورؤى وطنية للإصلاح، واعتمد المؤلف المنهج العلمي الموضوعي في تحليله للاختلالات الهيكلية في بنية الاقتصاد على مدار عقود من عمر الدولة الأردنية، ويضع تصورًا وطنيًا لتحديث وتطوير الدولة الأردنية تكون بدايتها تعديلات دستورية تعيد سلطة الشعب ليكون مصدراً للسلطات للتصدي للتحديات والمخاطر التي تواجهنا للخروج من الأزمة الخانقة أهمها تتمثل في:
• إعادة الاعتبار لدور الدولة في الاقتصاد الوطني والتمسك بملكيتها للقطاعات الاستراتيجية “التعليم، الصحة، النقل، الطاقة” واستغلال ثروات البلاد بالشراكة مع القطاع الخاص، وتبنّي نهج الدولة الإنتاجية.
• توفير البيئة الاستثمارية وضمان كل معايير النزاهة والشفافية ومحاربة كل مظاهر وأشكال الفساد، وتشجيع قطاع الصناعة الوطنية المعتمد على المواد الأولية المحلية، وربط الإعفاءات بالمشاريع المولدة للدخل والتشغيل.
• تشجيع القطاع الزراعي وحمايته من المنافسة الأجنبية وتشجيع الصناعات المرتبطة به.
• تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني وإحلال العمالة الوطنية بدلاً من الأجنبية وتنظيم وضبط سوق العمل.
• خفض عجز الميزان التجاري بدعم الصادرات وتشجيع الإستهلاك من الصناعات الوطنية.
• تجفيف منابع الفساد ومحاكمة الفاسدين وفتح ملفات الخصخصة واسترداد الاموال المنهوبة وتحصيل أموال الخزينة ومكافحة التهرب الضريبي.
• إعادة هيكلة الموازنة العامة وتوحيدها ووضع معايير ثابته للإنفاق وفق المؤشرات والمعايير الدولية.
• ترشيد نفقات الدولة ووضع سلم رواتب للوظائف الحكومية وعدم السماح بالجمع بين المناصب والمكافآت وتحديد الهامش بين أدنى وأعلى راتب حكومي.
• تحقيق إصلاح ضريبي يضمن إعادة توزيع الدخل وزيادة مساهمة كبار الرأسماليين في إيرادات الخزينة واعتماد مبدأ الضريبة التصاعدية على أرباح الشركات.
• صيانة أموال الضمان الاجتماعي واستثمارها بمشاريع تنموية اقتصادية برؤية استثمارية علمية.
• تفعيل قانون الدين العام ووضع أُسس وضوابط للاقتراض.
• سحب تفويض مجلس النواب للحكومة بتعديل نسبة الضرائب والرسوم على السلع والخدمات دون العودة لمجلس الأمة “لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون”.
هذا الكتاب يصلح أن يكون مرجعاً وطنياً لرسم السياسات الاقتصادية والمالية خاصةً بعد الفشل الذريع لكل السياسات المالية السابقة وبعد الانهيار الاقتصادي الذي نعيشه اليوم، كل برامج التصحيح فشلت كما خُطط لها ونُفذت، التصريحات كثيرة من قبل خبراء مطلعين أو عملوا في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقالوا فيها “أن الوصفات المالية التي نمليها على الدول لا تهدف الى إصلاح السياسات المالية والاقتصادية وتحقيق النمو والازدهار بها، بل إلى تدميرها اقتصاديًا وتشجيع وإفشاء الفساد بها لرهن سيادتها لإرادتنا وإملائاتنا”، اليوم نقول ونصرخ… كفى عقوداً من الفساد والسلب والنهب وجرّ البلاد إلى مهالك الردى وتجويع وإفقار وتشريد العباد، بعد كل هذا الخراب الذي أحدثتموه وفشل كل سياساتكم الاقتصادية نحن بأمس الحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة للخروج من الأزمة الخانقة، اليوم نحن بأمس الحاجة لقامات وشخصيات وطنية ترسم لنا خارطة طريق وطنية توصلنا لبر الأمان ولتكن أولى خطواتها تمديد الدورة البرلمانية الثامنة عشر وتأجيل الانتخابات، يتبعها عقد مؤتمر وطني لإقرار استراتيجية وطنية مرتكزاتها الرئيسة بناء الدولة، دولة الحرية والعدالة والشفافية على أسس وقواعد الإنتاج الوطني، أما الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها فلن يفرز إلا “سويليل” و “لويفان” أبطال خرافات وحكايات جداتنا الذين سيُغرقون سفينة الوطن في قعر المحيط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى