#الأردن: #منظومة « #ديلفري » و #أحزاب « #سكوتر »
لا أعرف سببا يدفعني للاعتقاد بأن منع شاب أردني إسلامي الميول من تحصيل رخصة قيادة دراجة «سكوتر» يمكنه أن يحدث خللا بالتوازن الأمني الوطني إلا إذا كان الشاب المقصود ليس من مرتادي المساجد بل صاحب سوابق جنائية من الصنف الذي تضيء عند طباعة اسمه كل شاشات الكمبيوترات في الحكومة.
يأخذنا الشيخ مراد العضايلة إلى مناطق وجدانية في الواقع وتؤشر على فصامنا السياسي، وهو يدلي بملاحظته الغريبة علنا هذه المرة عن شاب ترفض السلطات منحه رخصة قيادة سكوتر حتى يترزق لأنه عضو في حزب جبهة العمل الإسلامي.
لسنا بصدد شراء تلك الرواية كما وردت مع أن العضايلة نشر اسم الشاب وعمره ووجه سؤالا للحكومة من الصنف الذي يظهر منهجية حزبه في اصطياد الملاحظات.
السؤال وجه للحكومة فيما يعرف الجميع أن الحكومات آخر من يعلم.
لا نسلم برواية العضايلة بشأن هذه الحادثة مع علمنا المسبق بأن فلتر الإسلاميين دقيق.
ونقترح بأن التقدير البيروقراطي الفني له حساباته، وهو ليس ملزما بإبلاغنا نحن المواطنين بتلك الحسابات وأن مسألة رخصة قيادة أي دراجة أو ماكينة أو سيارة فيها حسابات أمنية.
لكن الأصل في الأشياء ما دام المطلوب منا كمواطنين إقناع أولادنا بالانضمام إلى الأحزاب انسجاما وتفاعلا مع الرؤية الملكية العلنية أن توضح لنا السلطات الرسمية معايير المسطرة القانونية في ترخيص دراجات السكوتر ولماذا حرم الشاب الإسلامي منها؟
بالحد الأدنى لا بد من رواية من الصنف الذي يمنعنا من تأسيس فهم خاطئ قوامه أن اللون السياسي الحزبي الذي سينتمي له أولادنا وشبابنا قد يحرمهم من قيادة سكوتر أو حتى دراجة هوائية هنا أو هناك.
على كل حال رصدنا رواية «السكوتر» من جانب الأخوة في حزب جبهة العمل الإسلامي، ولم نرصد رواية حكومية أو رسمية مضادة توضح السبب الذي منعت بموجبه سلطات الترخيص المختصة الرخصة عن الشاب.
من يزور عمان هذه الأيام يصافح على مدار الساعة في الشارع دراجات السكوتر المختصة بإيصال الطلبات للمنازل والمكاتب.
تلك التصرفات البيروقراطية الصغيرة تنضم مع أخرى أكبر في تبديد مصداقية الاتجاه برمته نحو تحديث المنظومة السياسية
السكوتر منتشر في كل مكان والحكومة السابقة برئاسة الدكتور عمر الرزاز سمحت بترخيصه لتخفيف البطالة، وأعلم يقينا بأن سائقي السكوترات الشباب يستطيعون تدبير دخل شهري من خلال تلك الماكينات وجمع نصف دينار هنا أو هناك، وبعضهم ينفقون على دراستهم الجامعية بالعمل.
لا يجوز وبأي حال من الأحوال التمييز بين الأحزاب السياسية المرخصة. ومن غير المنطقي أن نقبل بعد كل ضمانات الرؤية المرجعية اجتهاد موظف هنا أو هناك يقول بسلوكه الإداري ضمنا بأن تحديث المنظومة أقرب إلى خدمات «دلفري» حيث التمييز بين الزبائن.
أو يقول بأن من ينتمي لحزب لا يستطيع قيادة دراجة سكوتر إلا طبعا إذا نص قانون الأحزاب على مهن محددة.
أضم صوتي بكل حال للقائلين بأن تلك التصرفات البيروقراطية الصغيرة تنضم مع أخرى أكبر في تبديد مصداقية الاتجاه برمته نحو تحديث المنظومة السياسية. وأضم صوتي أيضا للقائلين بأن مسطرة القانون والرؤية المرجعية ينبغي أن تكن حازمة وصارمة بمعنى معاقبة الموظف الإداري الذي يتخذ قرارا معاكسا لجوهر تشجيع الأردنيين على العمل الحزبي بعد الآن.
الحادثة طبعا صغيرة ويمكن أن تكون خلفيتها مجرد خطأ إداري لموظف ما في وزارة الداخلية. لكن مصداقية خطة التحديث الوطنية مرتبطة تماما وجوهريا بضبط إعدادات المؤسسات الرسمية وليس الأهلية. والسلوك الرسمي اليوم تحت منظار المواطن وبشغف وهوس وخروج حكايات وقصص من هذا الصنف يتسبب بظاهرة العزوف الاجتماعي والشعبي عند القواعد الأوسع من الأردنيين عن العمل الحزبي، وندرك يقينا بأن تلك الإشكالية حصرا ينشغل بها هرم الدولة من أعلاه إلى أدناه.
ما نتمناه هو حرمان الشيخ العضايلة وغيره مع الاحترام للجميع من تحصيل ذخائر من هذا النوع، الأمر الذي يعيد برأينا ضبط إعدادات المشهد الوطني على المحور الأساسي، والأهم اليوم إذا كنا جادين في مسار التحديث الثلاثي الذي «بح صوت» المرجعيات وهي تتحدث عنه. وما نقصده هنا حصرا هو مبدأ سيادة القانون بالتلازم مع مسارات التحديث ومنظوماتها.
والمعنى مسطرة قانونية وأسس واضحة للجميع بصرف النظر عن الانتماء الحزبي يعرفها المواطن والموظف في الدولة وعدم التزام أي منهما فيها مخالف للقانون ويستوجب العقاب. دون ذلك لا محتوى حقيقيا في ملفات التحديث.
ودون هيبة لا تقبل الالتباس ولا الانقسام على تفسيرين وإنصاف في التطبيق نقولها باختصار: لا مستقبل للعمل الحزبي في مملكتنا الحبيبة ولا أساس إلا لتنميط سلبي يتفنن في زرع التردد والشكوك من طراز الإيحاء بأن عقل الدولة لا يزال خارج مشروع التحديث، وأن التحديث لا ينبغي له أن يبقى في نظام خدمات الدلفري بمعنى أنه لمواطن دون آخر.