حراك رمضان 2018 / المحامي جمال حسين جيت

حراك رمضان 2018 .. من “اضراب عام” تقوده النقابات المهنية الى “حراك شعبي” استثمر هيجان الشارع وحوله الى حراك دائم ومنتشر بين “الرابع” والمحافظات”.
هل يعيد حراك رمضان 2018 ذاته في حراك الرابع 2019؟!؟ أم القياس والمقارنة ليست في محلها.

سبق رمضان 2018 في الاردن حالة إحتقان شعبية بسبب القرارات الاقتصادية المجحفة التي اتخذتها حكومتا (النسور والملقي) وايغالهم في نهج التبعية والفساد الذي أفقر الناس وانهكهم، وجعل من الحالة الشعبية ناجزة وتنتظر اي فعل أو حدث جامع للتعبر عن ذاتها.
فقد استفزت القرارات الاقتصادية المجنونة التي اتخذتها حكومة الملقي كل القوى السياسية والاقتصادية حتى المتناقضة تاريخيا بين بعضها البعض سواء “ايدلوجيا او برغماتيا” ودفعتها لتكون في موقف واحد ضد حكومة الملقي ولو مرحليا.
فشاهدنا جزءا كبيرا من طبقة رأس المال أو برجوزية الطبقة الوسطى (اذا جاز التعبير) التي كانت تشكل داعما اساسي للحكومات المتعاقبة تقف ضد مشروع قانون ضريبة الدخل، ويشارك موظفيها بإضرابات النقابات والاحتجاجات الشعبية بفاعلية كبيرة ودعم من مؤسساتها الاقتصادية ولتكون هذه “القوى الاقتصادية” احدى القوى المؤثرة في مشهد حراك رمضان 2018، فقد خلقت هذه القرارات تقاطعات مصلحية “آنية” وليست دائمة وقد لا تتكرر في المدى المنظور. كما ظهر مجلس النقباء على المشهد بقرارات ثورية خارج السياق الذي عرفت به النقابات في السنوات المنصرمة ولا تعكس الحالة الحقيقية لواقع النقابات، لكن يبدو أن مشروع قانون ضريبة الدخل قد اصاب النقابات في مقتل، فثارت ثائرة النقباء وأعلنوا “إضراب عام” لكافة النقابات. فكانت الحالة التي جيشت الشارع واشعلت الشرارة خاصة بعد نجاح الإضراب الأول حيث شعر الناس أنهم امام حدث جامع يقوده النقباء بصرامة ودون تردد فشكلوا مظلة اشعرت الناس بالأمان والاطمئنان وساعدتهم بالخروج بدون خوف أو تردد.

استطاع الحراك الشعبي * (والذي يتشكل من ناشطين سياسيين يمثلوا حراكات على مستوى الوطن أو على المحافظات وناشطين حزبيين يمثلوا مكاتب حزبية وناشطين مستقلين، بدون قيادة مركزية فلا احد يدعي انه يقود الحراك أو يملك شرعية تمثيله، لكن هناك اتفاق على المطالب التي يطرحها الحراك وعلى شكل الحراك؛ حراك شعبي مطلبي محمول بخطاب سياسي يدعو لتغير النهج الاقتصادي والسياسي امتد من ٢٠١١ مرورا بـ ٢٠١٣ حتى ٢٠١٨ ) استثمار الحالة الشعبية العارمة التي انتجها اضراب النقابات الناجح وتخبط حكومة “الملقي” بقرارات اقتصادية مستفزة وقتها، فدفع الحراكيين بالناس للتظاهر بالشارع “طفي سيارتك” فظهر مشهد الرابع والمحافظات ليشكل قوة ضاغطة على النظام بكل اجهزته.
ثمة مؤشرات واضحة ممكن أن توصلنا إلى وجود صوت داخل النظام التقط ما وصلت اليه الحالة الشعبية وقرأ التناقضات التي ذكرناه أعلاه وبالتأكيد استطاع ان يفهم ان الحالة التي وصل إليها الناس تنذر بالخطر، فوجد أن (الاسلم) له أن يحاول التكيف مع هذا الحراك وان يستعيد امتلاك زمام المبادرة من خلال إعادة إنتاج نفسه بشكل اخر دون أن يغير تحالفاته الداخلية والخارجية، فعمل على استيعاب الاحتجاجات واستجاب لمطالب الناس فأوقف قرارات اقتصادية وأقال حكومة الملقي تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية وكلف شخصية من خارج الصندوق ولا تحمل القوى السياسية اتجاهه اي موقف سلبي وسحب مشروع قانون ضريبة الدخل ليفرغ الحالة الشعبية الثائرة من احتقانها ويعيد تنظيم نفسه.
وهنا نطرح تسأول مركب هل القوى والظروف التي انتجت حراك رمضان مازالت قائمة؟
لا شك ان الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر به البلد تدفع لقيام حراك جماهيري واسع؛ فقانون الضريبة أقر بصيغة مشابهة للمشروع الذي رفضه الشارع وقانون الجرائم الإلكترونية يمد يديه حول كل حراكي وناشط والاعتقالات والاحكام مستمرة وحالة الفقر والتضخم بازدياد وثقة الناس بالحكومة تراجعت بسرعة عالية، لكن هل القوى التي انتجت حراك رمضان 2018 قائمة الان؟ وهل مازالت ثابته على موقفها؟
حالة الاحتقان الشعبي تم تنفيسها أو بشكل أدق تفريغها وتقاطع المصالح الذي تشكل وقتها بين قوى رأس المال والقوى الوطنية تم تفكيكه، والنقابات تم تحييدها من خلال تدبيب الاختلاف معها و تلبية بعض المطالب والمكتسبات للنقابات وترحيل بعض الاختلافات معها إلى الأمام، والنظام حاول أن يعيد التموضع بعد إجراء تغيرات شكلية لكنها غير فاعلة ومن شأنها إعادة حالة الاحتقان للشارع.
الحقيقة الثابتة في معادلة القوى التي انتجت حراك 2018 هي (الحراك الشعبي) هم وحدهم الذين بقوا بالشارع ولكن بشكل مختلف تماما سواء بالمضمون والأدوات والهدف؛ حراك الرابع الان مختلف في شكله وأدواته وهدفه؛ فهو يسعى من خلال إئتلاف مش ساكتين الذي يضم ٢٧ حراك ومكاتب شبابية حزبية وعلى مدى ٢٧ اسبوع على التوالي دون انقطاع وكذراع ضاغط على الارض يسعى كـ “هدف مرحلي” لخلق ظرف موضوعي شبيه للظرف الذي تشكل في رمضان من خلال توظيف الاحتقان الشعبي في سياق سلمي وتراكمي وصولا إلى تشكيل هيئة موحدة للحراك الشعبي الأردني لتكون قوة ضاغطة ومؤثرة على النظام لتحقيق الإصلاح الحقيقي الذي يضمن تغيير النهج ويؤسس لبناء دولة القانون والمؤسسات التي تعيد السلطة للشعب وتستعيد مقدرات الدولة.
لكن التغير الجوهري والتطور الأساسي على الحراك الشعبي الأردني، هو ما طرء على خطاب الحراك من تقدم وهو ما ميزه وبشكل واضح وفارق عن حراك رمضان 2018؛ حيث انه انتقل من خطاب مطلبي يدور تحت عنوان تغيير النهج، إلى خطاب يهدف “لتفكيك النهج” فأصبح الحراك يطرح الإصلاح السياسي كـ أولوية في التغيير ومدخل اساسي لتغيير نهج التبعية السياسي والاقتصادي وان الأزمة هي أزمة حكم تتمثل بتحويل الحكم من “نيابي ملكي وراثي” إلى “ملكي نيابي وراثي” وان المساس بالمبدأ الدستوري الذي يتعلق بأن الأمة “الشعب” مصدر السلطات وما ترتب عليه من انتهاك للولاية العامة لمصلحة السلطة المطلقة من خلال الأجهزة الأمنية التي الحقت بالملك مباشرة، كما شكل تغول السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية على السلطة التشريعية وإغراق مجلس النواب بـ أدوار “خدماتية” تبعده عن وظيفته الاساسية في الرقابة والتشريع وتربط مصالح النواب مع الاجهزة الامنية والحكومة وشكل هذا اعتداء على المبدأ الدستوري المتمثل ب الفصل بين السلطات، وان القضايا المطلبية “الاقتصادية” والفساد وبيع المقدرات سببه الأساسي هو تغول السلطة المطلقة وعدم ارتباط المسؤولية بالمساءلة.

وقد شكل اجتماع “رجم الشوف” 22/12/2018 في اللقاء الوطني للحركات الشعبية مرجعا اساسيا لتغيير الخطاب داخل الحراك وفي مواجهة النظام، كما ان بيان لجنة المتابعة الوطنية شكل ايضا اساسا في تحويل الخطاب الى جوهر الازمة كما يراها الحراك، وثمة مؤشر هام وذو دلالة واضحة على هذا التحول على ارض الواقع فـ بعد عام على حراك رمضان 2018 وقدوم حكومة الرزاز ورغم فشلها الذريع في جميع الملفات التي طرحتها فـ لا احد يطرح رحيلها او تعديلها وحتى هذا التعديل الذي نحن امامه اليوم لا احد يلتفت له الا من باب التندر او تدوير الاسماء، فـ بعد 27 اسبوع على الرابع وعشرات البيانات من مختلف القوى لا احد يطرح اسقاط الحكومة!!!
لم يعد الحراك يريد تغيير البرواز كما كان يهتف في الشوارع بل يحتاج الى تغيير جوهري في عمق النهج التبعي والسلطة المطلقة.
لكل هذا نجد ونؤكد ان اي محاول لمقارنة حراك الرابع الان بحراك رمضان 2018 هي مقارنة غير دقيقه وينقصها الموضوعية وبعيده عن فهم التحولات التي طرأت على الحراك الشعبي الاردني.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى