” اغتيال سهرة “

اغتيال سهرة
 صفوان قديسات

هذا المساء ، وبينما الجميع يرتبون نهاراتهم في جوارير الذكريات ، نادى الهاتف بصوته المعتاد ليعلن عن حوار متوقع بين اثنين ، ردت أمي لتتلقى دعوة شبه رسمية لتسهر عند أبويها حيث تزورهم في الوقت نفسه نسيبتهم الفلندية …!! ، لبت أمي الدعوة ولحقت أنا بها بعد أن حلقت ذقني وراجعت كتاب اللغة الإنجليزية للصف العاشر ، فالضيفة مميزة هذه المرة ولا بد لي من الظهور بشكل جيد لأعطي مثالا جيدا يبقى في ذاكرة المرأة المقدَّرة القادمة من الاتحاد الأوروبي .
وصلت بيت جدي ، دخلت فلفت انتباهي المعزبين المنتقين بعناية ، سلمت على الجميع ورأيت ضيفتنا ، إنها ترتدي ثوبا أردنيا ..!! ، عرفتها ولكن ابنتها / الكنة قدمتها لي مشيرة بيدها قائلة:  Safwan … Mama فقلت على الفور : Hello you are welcome واكتفيت بذلك كبداية اعتقدت أنها تمهد لحوار باللغة الإنجليزية يبدؤه خالي : صهرها الوسيم وأشارك فيه أنا كضيف في برنامج حواري شهير … ولكن حدسي خاب كالعادة ..!!
– أمي تسأل أختها : مال أمي ما بتهرجش مع ظيفتها ؟!
– يقاطعها ابن أخيها الصغير / طالب توجيهي مازحا : زعولات
أخجل من ابتسامتي الطارئة والمفضوحة ، ولكن ما دعاني للمغادرة نحو غرفة أخرى للضحك سؤال أمي : بالله ما عليها لاحه من مرت عمي ابراهيم ؟!
ليس إلا ، فهناك دخيل مفاجئ ، يطلب منا أن نقف بينه وبين أبنائه الذين يريدون القضاء عليه ، أقول في نفسي : وهل هذا وقته ؟! ، ألم تجد شياطينهم وقتا آخر للتسلية ؟! ، إن لدينا ضيفة وعلينا جميعا أن نتحمل مسؤولياتنا ..!!
أخرج أنا وخالي وأخي والخادمة الأندونيسية للفزعه ، يهجم أحدهم بـ سكين فأحاول منعه والفصل بينه وبين الطرف الآخر ، نقع جميعا على الأرض ، هذا يكفي أليس كذلك ..!! ، المهم أنه تم الفصل بين الطرفين بعد عراك طويل ، عندها نظرت كرجل عاقل وقلت : لقد ذبّحوا بعضهم البعض ، الدماء على الأرض … أمر مؤسف ومشين ، وكلما مشيت رأيت الدم بصورة أوضح ،،، الأمر مرتبط بي إذن ..!! ،،،
أنا المصاب الوحيد ..!!
أسمع من البعيد أخي أبو معاذ يهدد القوم في حال أصابني مكروه ، وأذهب للإسعاف الأولي والأخير معا … الجميع منزعجون ، والضيفة واجمة قلقة ، بعضهم يطمئن علي ، والبعض منشغل بمرحلة ما بعد الهوشة وما بعد بعد الهوشة ، وأنا منشغل بالضيفة … مازالت لدي ورقة رابحة واحدة ليست كافية للفوز ولكنها رابحة توجهت للضيفة الشقراء – بعد أن سألت حفيدتها الصغيرة نورا عن اسمها – بالقول بأسف وطلاقة :
Mr’s…. We are so sorry about everything happened this night ..!!
اللي ماله حظ لا يتعب ولا يشقى ، أفاجؤ بـ نورا تترجم بالفلندية ما قلت ، غير أن جدتها نظرت إلي بعطف وقالت : I am sorry for you ..!! وأكملت بالفلندية : إن ما حصل كان خارج إرادة الجميع ..!!
يالها من مفارقة : أفشل أنا في إيصال فكرتي مباشرة ، وتنجح هوشة العربان في إيصال قبحهم … إنها عظمة الهوش لا يحتاج إلى لغة …
تجلس خلود المتعلمة بجانب الضيفة على الأريكة كما في التلفاز ، تمسك بيديها يديها وتضع عينيها في عينيها ، وتكرر بلغة إنجليزية مبحوحة أسفنا جميعا مما حصل مؤكدة أن ما حصل إنما هو حالة فردية ولا يشكل ظاهرة عامة ، وما هي إلا A storm in a cup ..!! … زوبعة فنجان ، مشيدة بالعلاقات الطيبة ومجالات التعاون بين البلدين …
الليل ينتصف وخالي وعائلته يهمون بالعودة إلى العاصمه ، جدتي تخاطب ضيفتها : مانتو قاعدين ..!! ، يبدؤون بالسلام خالي ، زوجته ، أولاده وأخيرا الضيفة … تقبل أمي وجدتي … أمر طبيعي … تقدمت نحو جدي المسن الجالس وأمسكت بيده وانحنت … فقلت ستقبّل يده كسيدة أرستقراطية تمسك بيد فارس منهك … ولكنها قبّلته في خديه برفق … صافحتني بيدها فكررت قولي ثانية
: You are most welcome ..!! ثم غادرنا جميعا
وفي الصباح التالي أرسلتني أمي إلى بيت جدي في مهمة ، وعند دخولي إلى البرندة وقفت مشدوها …
صوت فيروز الناعم عبر المذياع ،
رائحة قهوة عربية جيدة الصنع ،
رائحة أخرى رائعة لعطر دنهل الخاص بخالي غالب ،
طاولة صغيرة وكرسيان …
على أحدهما غفا جدي وقد حلق ذقنه … وخلع طاقيته البيضاء ..!! .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى