#خاطرة

#خاطرة

د. #هاشم_غرايبه

مع اقتراب شهر رمضان، يبدأ من لديهم أنصبة واجبة للزكاة بالتهيؤ لإخراجها، حيث يميل أغلب الناس الى إخراج زكاتهم في رمضان، ربما لأجل الإنضباط بالحول الشرعي الذي يحتسب بالسنة القمرية، ولأن الأجر على عمل الخير يتضاعف في رمضان.
لكل عبادة فرضها الله على عباده المؤمنين حكمة ومبتغى، صحيح أن المؤمن يصدع بأمر الله بلا نقاش، لأنه بذلك يثبت طاعته لخالقه، وبذلك يحقق الشق العملي من الإيمان، الذي يثبت الشق العقدي، فذلك أبلغ تصديق لمن قال انه مؤمن.
لكن أولي الألباب هم من يتفكروا في تلك الحكمة، ليفهموها، ويفهمونها لغيرهم، فيحببونهم في خالقهم، فيحبونه زيادة على أنهم يطيعونه.
كثير من الناس يعتقدون ان العبادات هي مجرد تكاليف لابتلاء الإنسان أيصبر عليها أم لا، في الحقيقة هذا فهم قاصر، فرغم أن الله تعالى لم يذكر لنا حكمته من أي تكليف من تكاليفه التي فرضها على عباده، إلا أنه حثنا على دوام التفكر في القرآن الكريم، والتوسع في فهم معاني ودلالات أحكامه، ومن لم يسعفه عقله فليسأل أهل الذكر الذين فتح الله عليهم من علمه.
الشريعة ليست مجرد أوامرٍ ونواهٍ فرضها الله علينا ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وإنما هي مصلحة كلها، فلم يحرم الله طيبا مفيدا، بل كل خبيث ضار، ولم يفرض علينا عبادات ليرهقنا بها، بل هي منفعة كلها، منها ما ندرك حكمته وأغلبها لم نؤتَ العلم بعدُ، الذي نفهم به الأبعاد العميقة والمنافع العظيمة التي ننالها بها.
للتقريب لنضرب مثلا – ولله المثل الأعلى – : التلميذ الذي يفرض عليه المعلم واجبات بيتية يراها ثقيلة عليه، هو يعتقد أنه يؤديها لإرضاء المعلم، لكنه لا يعلم إلا بعد أن يكبر ويتخرج، كم كانت تلك الواجبات ضرورية للتعلم، وكم نفعته بتحصيل درجات عالية أدت فيما بعد لقبوله في كلية لا يتحقق دخولها لغير المتفوقين، وتخرجه منها أدى الى تبوئه مكانة مرموقة في المجتمع، قد تكون أرهقته قليلا، لكن ذلك كان لفترة قصيرة، لكن ما تحقق له من نجاح ومرتبة رفيعة، باق على الدوام.
في كل عبادة أعطانا القرآن الكريم العنوان وترك لنا التبحر في التفاصيل، فالزكاة لتزكية المال مما قد يكون خالطه من حرام لم يعلم به صاحبه، وتطهيرالنفس من الشح وخوف الفقر “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا” [التوبة:103].
فهي ليست كضريبة الدخل، يقصد بها تحميل الغني كلف الدولة التي كفلت له أمنه وحماية ماله، وليست عقوبة على استحواذه على نصيب كبير من أموال البلد، بل هي زيادة على أنها تحقق تقارب الطبقات، فهي أداة للتقويم والصيانة وتحقيق الأمن المجتمعي بإزالة الضغائن والتحاسد.
يتجلى ذلك في:-
1 – تفرض الزكاة على المال المكنوز، وليس على المال المدور المستعمل في الدورة الإقتصادية للمجتمع، والذي ينشئ مرافق الإنتاج ويشغل الناس ويجري السيولة النقدية، فلا تستحق الزكاة على المنشآت الزراعية والصناعية، ولكن على ذلك الجزء من الدخل الذي تدره وزاد عن حاجته وحاجات من يعيلهم، بدليل أنه مر عليه حول كامل من غير استعمال، إذا فهو فائض عن الحاجة.
2 – لا تستحق الزكاة على الممتلكات العقارية ولا أدوات الإنتاج بل على ما تنتجه، ولا على المنتجات غير القابلة للخزن من الزروع والثمار والمنتجات الحيوانية، لذا فهي تشجع على الإستثمار والذي يحرك الإقتصاد، وتحفز تسييل المال بما ينفع الناس بدل خزنه في البنوك، وذلك أفضل علاج للتضخم.
3 – الضرائب يحاول المرء التملص منها، بينما يخرج المؤمن ما يستحق عليه عن طيب نفس وبقناعة أن ذلك حق لله عليه فهو المنعم والمتفضل، ويحرص على إيفاء الحق بلا إنقاص ولا تأخير، لكي تقبل من الله.
هكذا نرى أن الزكاة فوق أنها نظام اقتصادي يحقق العدالة وتقارب الطبقات، فهي العلاج الوحيد لمرض البشر العضال وهو الشح، وهذا المرض أهم أعراضه الطمع، والطمع يؤدي الى الظلم، والظلم مفسدة للمجتمعات ومجلبة لكل الشرور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى