هل أتاك حديث الجامعات! / وليد معابرة

هل أتاك حديث الجامعات!
وليد معابرة

من باب الاستطراد يجب أن نفصل بين مصطلح التعليم ومصطلح التربية، فالتعليم يندرج تحت المفهوم المتعلّق بتلقين المعلومات وتهيئة المتعلمين لإكسابهم الخبرات والمهارات ضمن منظومة تسهم -مساهمة فاعلة- في بناء الشخصيات البشرية. أما مصطلح التربية فهو يندرج تحت مفهوم ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية فضلاً عن المعارف التي تحكم وتتحكم في السلوك الإنساني، لذا؛ فإن مصطلح التربية أكثر شموليّة من مصطلح التعليم، فهو يسمو ليشمل جميع الأهداف والحاجات المتعلّقة بالشخصيات ومنحهم مفاتيح الأخلاق التي تتمأسس من خلالها الأنسَنة الحقيقية للبشر بشكل عام.

إذن لا شك أن مراحل تأسيس الأنسنة عند البشر تنطلق ابتداءً من غرس الصفات الحميدة لدى الطفل (كالصدق والأمانة) قبل نضوجه، يتبعها إعداده بالصورة التربوية لتجاوز مرحلة المراهقة ومساعدته في بناء ميوله العاطفية والفكرية، لتتمركز في صقله وتنميته وإرساء قواعد أخلاقيات العمل لديه عندما يصبح شاباً مستعداً لممارسة تلك المنظومة التربوية ضمن حياته الجامعية والوظيفية عند تخرجه.

إنه من المؤسف أن تقوم بعض مؤسساتنا الجامعية (التعليمية) بخرق أخلاقيات التربية المنشودة من جهة، وهَدم أبجديات التعليم من جهة أخرى…، فالمتعمق في وضع بعض الجامعات الحكومية منها أو الخاصة؛ سيجد أن معظم طلبتها العاملين في المؤسسة نفسها يحصدون العلامات والتقديرات العالية في جلّ المواد بحكم علاقة الزمالة التي تربطهم مع مدرسيهم، أو بحكم الاعتماد على ما يُختَم به اسم الطالب في تلك المؤسسة ومدى تقبُّل المدرس لِتَينكَ العلاقتين، لتكون شريعة يتعاملون فيها بحجة أن مسمى العبقرية الناتج عن الاجتهاد الدراسي يُعّدُّ عملاً درامياً يندرج تحت مسمى (الفنتازيا) وأنه عملٌ خرافيّ غير متوافرٍ في المجتمعات العربية…، وكيف لا يحصل ذلك وهم يشعرون أنهم يعملون في منظمة تعليمية تتألف من مجتمعٍ كبيرٍ تتقاسم فيه العشائر والقبائل الإدارات والأقسام من غير مراعاة للكفاءة والشفافية، فضلاً عن التمييز العنصري الذي يُشعرك بأنك تعيش في حياة اللاوعي واللامنطق…، وليس هذا فحسب؛ بل توصل الأمر إلى أن يقوم بعض الأساتذة الجامعيين بكتابة رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراة لبعض الطلبة مقابل المال، ليكون النتاجُ نتاجاً علمياً جديداً خالياً من التخصصية واحترام الأمانة العلمية، وبالتالي إنتاج جيل آخر جديد متوسط الكفاءة يفتقر إلى أبجديات العلوم، متجاوزين كل مفاهيم التربية الحقيقية، ومتجاهلين قيم الإنتاج التعليمي المحصور في جيل متوسط سيسهم في إنتاج جيل أقل توسطاً ومهارة، وجيل آخر أقل ضعفاً …، وهكذا دواليك حتى نصل إلى إنتاج جيل لا يفقه في تخصصه إلا ما يُنظّرُ به أثناء جلساته مع الآخرين واستعراض فحولته العلمية أمام من يجهل تلك العلوم.

مقالات ذات صلة

خلاصة القول: إن مهنة التعليم والاهتمام بها هي مهنة الأنبياء والرسل والمصلحين على مرِّ العصور وفي مختلف الحقب التاريخية، وإن الاهتمام بالعملية التربوية يدلُّ على مستوى الوعي لدى أية مؤسسة جامعية تعليمية ولدى أي شعب، وحيثما كانت وضعية التعليم ومكانته رفيعة وذات شأن؛ سيدل ذلك على أن هذه الجامعة متقدمة واقعياً وحضارياً، وحيثما وجدنا الحطَّ والاحتقار لها؛ فإننا سندرك أننا أمام جهة لا تعرف مصادر قوتها ولا أسس نهضتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى