اتفاق الشراكة الاقتصادية في قارة آسيا: أين العرب والأردن منه؟
أ. د أحمد العجلوني
في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بتضميد جراحاته الدامية بسبب جائحة الكورونا؛ وتكابد فيه الولايات المتحدة مخاضاً عسيراً للتخلص من المتغطرس الأهوج وطي صفحته، ها هو العملاق الأصفر يقود تحالفاً اقتصادياً ضخماً يضم إلى جانب الصين أربعة عشر بلداً تشكّل في مجموعها ثلث الاقتصاد العالمي ليدفن مبادرة واشنطن التجارية التي لم تعد مطبّقة حالياً (اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ) ويشكّل خسارة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة نتيجة السياسات الخرقاء لترامب. وقد تم توقيع اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة Regional Comprehensive Economic Partnership بين الدول المشاركة (الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا؛ بروناي وكمبوديا وأندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلند وفيتنام) وخمسةً من شركائها في اتفاقية التجارة الحرة (الصين وأستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية). وستلغي هذه الشراكة ما يصل إلى90% من الرسوم الجمركية على الواردات بين الموقعين عليها في غضون 20 عاماً من دخولها حيز التنفيذ، والتي يمكن أن تكون في مطلع العام المقبل. كما ستضع قواعد مشتركة للتجارة الإلكترونية والتجارة والملكية الفكرية.
من نافلة القول إن التحالفات الاقتصادية بين الدول تشتمل بشكل أو بآخر على نوع من التحالف السياسي والعسكري. كما أن هذا التحالف قد يمتد ليشمل الهند التي ترددت في الانضمام إليه لأسباب تتعلق بالميزان التجاري بينها وبين الصين. ولا يستبعد أن يضم التحالف في مراحل لاحقة دولاً حانقة على السياسات الأمريكية السياسية والاقتصادية في آسيا كإيران أو الباكستان، أو حتى من خارج آسيا مثل روسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل وتركيا وفنزويلا. وهذا الأمر إن تم فسوف يمثل بديلاً حقيقياً للقطب الأمريكي الواحد وترسيخ أقدام العملاق الصيني بمكاسب جيواستراتيجية مهمّة قد تغيّر موازين القوى العالمية، فضلاً عن الآثار الاقتصادية التي قد تمتد لتبني سياسات مالية ونقدية لإحلال الدولار بعملة أخرى وخلق سوق ضخمة مفتوحة على غرار الاتحاد الأوروبي، وانتقال رؤوس الأموال الكبرى إلى أسواق المال في الصين واليابان وباقي دول التكتل الجديد.
لقد أتت ولادة هذا التكتل نتيجة مخاض طويل من الضجر العالمي من سياسة القطب الواحد وسيادته التي استغلها ترامب بأسوأ شكل أضر بالدرجة الأولى بأمريكا ثم بالاقتصاد العالمي ودول العالم المختلفة، وبما يجعل من الواقعي جداً التفكير بوجود تكتل قوي يعيد إلى العالم شيئاً من التوازن المفقود. ولكن الخبر غير السار أن القطب الجديد (أي الصين) لا يقل سوءاً عن أمريكا في الأطماع واستغلال حاجة الشعوب، بل إنه يفوقها في الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان.
وإنه لمن المؤسف المحزن أنه في الوقت الذي تبحث فيه دول العالم ذات الأديان واللغات والثقافات المختلفة عن روابط تجمعها وتحقق مصالحها نرى تخلّف العرب ونكوصهم عن التحالفات بينهم ونقض ما تم بنيانه من تحالفات هشّة، والانكفاء على قضايا كل دولة بمفردها، حتى أصبح مجرد الحديث عن الوحدة العربية يثير الكثير من السخرية لقتامة الأجواء التي تحيط بالعرب، فضلاً عن غيابهم عن الفعل العالمي بالحضور في هذا التحالف أو غيره من التحالفات العربية والإسلامية والأطر القائمة فعلاً مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها. وقد تأثّر الأردن من غياب الوحدة الاقتصادية العربية وأصابه الضعف نتيجة لانحسار السند الاقتصادي والسياسي من الأشقاء العرب الذين بات كل منهم ينشغل بقضاياه وأهدافه الضيقة بعيداً عن قضايا الأمة وهموم غيره من الدول العربية (إلا في حدود ما تقتضيه مصالحه!)، الأمر الذي ترك الأردن وحيداً في وجه رياح التحديات العاتية على المستوى الداخلي والخارجي.
وحتى تكون الاستجابة بمستوى مقبول من الإيجابية لهذا التطور العالمي المهم فإن المطلوب من الحكومة (ممثلة بوزارة الخارجية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية) وبالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص أن تولي هذا التطور العالمي المهم الأهمية التي يستحقها بدراسة الآثار المترتبة على الأردن نتيجة له، وكيفية الاستفادة منه اقتصادياً وسياسياً بحيث نقتنص أي فرص ممكن أن تتوفر للأردن نتيجة لهذا التكتل الاقتصادي الجديد أو لتجنّب أية آثار سلبيه مباشرة أو غير مباشرة قد تنجم عنه.
حفظ الله الأردن؛ حرّاً آمناً مزدهراً