التعليم المهني: الواقع والمأمول / شروق طومار

التعليم المهني: الواقع والمأمول
شروق جعفر طومار

كلما فتحت قضية البطالة للنقاش، يجري الحديث عن أهمية التحول نحو التعليم التقني والمهني على أنه وصفة لخفض معدلات البطالة وزيادة نسب التشغيل، إلا أن المؤشرات المختلفة تشير إلى فجوة كبيرة بين المأمول والواقع.

قطاع التعليم المهني في الأردن ليس وليداً، ورغم تأسيسه منذ سنوات طويلة بهدف انتاج عمالة وطنية ماهرة ومنافسة ضمن التخصصات التي يحتاجها السوق، لكنه لم يعد ينجح مؤخراً في خفض نسب البطالة العامة الآخذة في الازدياد حتى بلغت 19.2 % منتصف هذا العام، ما يستدعي النظر في نوعية مخرجات القطاع وما إذا كانت التخصصات القائمة ما تزال تلبي حاجة السوق.

تضمنت الأجندة الوطنية لتطوير القطاع (2006-2015) عدة حقائق تشير إلى إشكاليات ونواحي قصورٍ تحتاج للدراسة والتطوير، فقد بينت أن نحو 70 % من أصحاب العمل غير راضين عن نوعية مخرجات التعليم المهني، وبأن التعليم المهني الثانوي يركز في خطته الدراسية على الجانب النظري على حساب التدريب العملي، وبأنه ينتج طلبة ضعيفي التدريب، إلى جانب غياب التنسيق مع القطاع الخاص، ما يوسع الفجوة بين التوقعات والمخرجات، وذلك يتطلب آليات لدعم التشغيل وإعادة هيكلة القطاع.

استراتيجية التشغيل الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني (2014-2020) جاءت أيضاً بعدة توجيهات على جانب ربط التدريب بالتشغيل، إلا أن نسبة عالية من التوصيات بهذا الخصوص لم تنعكس على أرض الواقع ضمن خطوات عملية وفقاً لتقرير حالة البلاد لعام 2018.

بعض المؤسسات التدريبية توجهت نحو مجالات حديثة كالطاقة المتجددة والمياه والالكترونيات، وفقاً للتقرير، غير أن وزارة التربية عمدت إلى تقليص التخصصات الصناعية من 25 إلى 15 لأسباب تتعلق بكلف المناهج والكتب المدرسية والامتحانات، ولم تستحدث تخصصات جديدة من تلك الأكثر طلباً ومواكبة لحاجات السوق، كما يشير التقرير إلى عدم وجود لجان استشارية للتخصصات المهنية.

إن انفصال التخصصات المهنية المتاحة عن حاجات السوق هو تبديد لأي جهود تبذل في هذا المجال، لكن هذا الأمر ليس وحده ما يضعف أداء القطاع، فإلى جانب ذلك، يعاني القطاع من تشتت كبير في جانب الحاكمية والمرجعية، إذ تقوم عليه وتعنى به عدة مؤسسات وهيئات ومجالس، وتحكمه 9 قوانين، ويوجد حالياً نحو 7 استراتيجيات لتطويره.

كل هذه أسباب عملت مع غيرها على إضعاف مخرجات هذا القطاع المهم، وأدت أيضاً إلى تكريس النظرة السلبية نحوه وساهمت في تعزيزها عدة تشريعات ضيقت من فرص توظيف خريجيه وحدت من ميزاتهم ومن إمكانية تطورهم وظيفيا، ما نتج عنه تراجع ملحوظ في الاقبال عليه إذ تشير بيانات التربية إلى أن نسب الملتحقين بالتعليم المهني انخفضت من 21.9 % العام 2000 إلى 15.8 % العام 2005، لتصل إلى نحو
12 % العام 2018.

ما تضمنته خطة تنشيط الاقتصاد الحكومية الأخيرة من حوافز لأصحاب العمل على تشغيل الأردنيين في سبيل إحلال العمالة المحلية مكان الوافدة، يعكس بالتأكيد توجهاً ايجابياً، لكن ذلك لن يجدي نفعاً إذا ظلت العمالة الأردنية دون مستوى التأهيل المطلوب.

يحتاج هذا القطاع منّا إعادة ترتيب وتنظيم، ومزيدا من التركيز والتنسيق، فالتشتت الذي تعكسه البيانات المعروضة، وعدم وجود رؤية مرتكزة على دراسات مسحية للسوق (المحلي والخارجي)، سيبقينا في دوامة من تجارب فرصها في النجاح ضمن أدنى احتمال، بينما نحن في أمس الحاجة لوقف أي هدر إضافي في مواردنا، فالواقع الصعب الذي نعيشه لا يحتمل مزيدا من الخسائر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى