رحل عام هجري واستقبلنا العام الجديد 1444 – وقفة تأمل

رحل #عام_هجري واستقبلنا العام الجديد 1444 – وقفة تأمل/ ماجد دودين

رحل العام، ورحل فيه آخرون، رحل رجل كان يبني المجد، وآخر يبحث في هوى النفس وشهواتها، وكلاهما رحل، رحل رجل بنى بعروسه ولم يدخل بها ورحلت عروس ليلة زفافها، وآخر بدأ في بناء بيته أو أكمل بناءه ولم يسكنه، وثالث ينتظر وظيفته أو تخرجه، ورابع، وخامس رحلوا وهم غارقون في الأحلام والأمنيات، لاهون في معترك الحياة، كانوا يأملون أن الحياة أفسح من أحلامهم، وأكبر من أمنياتهم، ونسوا أنها أضيق على قوم من ثقب أبره، وأنها مليئة بكثير من المفاجآت، رحلوا ولا زالت أيديهم لم تمتلئ من الدنيا بعد. لكنهم رحلوا، رحل من هؤلاء من سطّر كلمته وكتب اسمه بحروف من ذهب، وأشهد التاريخ أنه مر في ذاكرة الأيام وهذه آثاره، ورحل آخرون دون أن يعرفهم أحد. وثمة سؤال يبعثه الوداع: كم هم الذين أهيل عليهم التراب من أهلينا وأصدقائنا وجيراننا؟ أما سألت الأيام كم حفظت لهم الأرض من آثار؟ وكم حفظت لهم المجالس من أقوال؟  ثم ماذا؟ ها هم هناك في بيوت أخرى، معالم مختلفة، ومآثر قديمة، لم يبق من آثارهم إلا ذكراً فقط، ولم تبق من معالمهم إلا أجراً أو وزراً. وهكذا هي الأيام!

خَطَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطُوطًا، فَقَالَ: هذا الأمَلُ، وهذا أجَلُهُ، فَبيْنَما هو كَذلكَ إذْ جَاءَهُ الخَطُّ الأقْرَبُ. الراوي: أنس بن مالك صحيح البخاري

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ تَعليمًا، وكان يُعلِّمُ أصحابَه مِن المواقفِ التي تمُرُّ عليهم، ويَضرِبُ لهم فيها الأمثالَ؛ ليُوضِّحَ لهم طَريقَ الهِدايةِ، وليُرشِدَهم إلى ما يُصلِحُهم في الدُّنيا والآخرةِ. وفي هذا الحَديثِ يروي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطَّ خُطوطًا، أي: رسمها على الأرضِ، فأشار إلى خَطٍّ منها، وقال: «هذا الأمَلُ» وهو ما يَرْجوه الإنسانُ مِن نَعيمِ الدُّنيا، «وهذا أجَلُه» والخطُّ الآخَرُ يشيرُ به إلى قِصَرِ عُمُرِه مقارنةً بخَطِّ الأمَلِ، «فبيْنما هو كذلك» طالبٌ لأمَلِه البَعيدِ، «إذْ جاءه الخطُّ الأقرب» وهو الأجَلُ المحيطُ به

وفي هذا الحديث التَّنبيهُ على أنَّ الأجَلَ مَقسومٌ مَعلومٌ لا يَتجاوَزه مُتجاوِزٌ. وأنَّ الأجلَ لا يَعلَمُه أحدٌ إلَّا اللهُ سُبحانَه وتعالَى، وأنَّه غُيِّب عن الآدميِّين؛ ولذلك تَجاوزَتْه الآمالُ، وبعَّدتْه الأطماعُ. وأنَّ الدُّنيا مَدارُها على طُولِ الأملِ، وهو الذي يُثمِرُ التَّسويفَ بأعمالِ الخيرِ، والصَّبرَ على أعمالِ الشَّرِّ؛ فعلى العاقِلِ أن يحتاطَ لنَفْسِه.

لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان حين يرحل من الدنيا ينتقل معه إلى قبره ثلاثة ” ماله، وولده، وعمله، فيرجع المال والولد، ويبقى العمل”.

قال صلى الله عليه وسلم: ” يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقَى معهُ واحِدٌ: يَتْبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويَبْقَى عَمَلُهُ. صحيح البخاري

الآخِرةُ هي الدَّارُ الباقيةُ، والسَّعيدُ هو مَن أكثَرَ مِنَ الأعمالِ الصَّالِحةِ في دُنياه؛ لِتَكونَ نَجاةً له في قَبرِه ويَومَ تَقومُ السَّاعةُ، والشَّقيُّ مَن ضَيَّعَ دُنياه في جَمْعِ المالِ، والانشغالِ بالأهلِ والأبناءِ فيما لا يَنفَعُ في الآخرةِ؛ فهذا كُلُّه يُفارِقُ الإنسانَ عِندَ مَوتِه، ولا يَبقى له سِوى عَمَلِه.

وفي هذا الحَديثِ يخبرُنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه يَتْبَعُ الميِّتَ إلى قَبْرِه ثَلاثةٌ، فيَرجِعُ اثنانِ منْها إلى مَكانِهما، ويَبقَى معه واحدٌ؛ يَتْبَعُه أهْلُه حَقيقةً مِن وَلَدِه وأقاربِه، ومالُه، فيَرجِعُ أهلُه ومالُه إذا انْقَضى أمْرُ الحزْنِ عليه، سَواءٌ أقاموا بعْدَ الدَّفنِ أمْ لا، ويَبقى عمَلُه فيَدخُلُ معه القبْرَ، ويُحاسَبُ عليه وَحْدَه، وفي هذا المَعنى تَرغيبٌ وتَرهيبٌ؛ تَرغيبٌ في أنْ يَسعَى الإنسانُ في دُنياه لاكتِسابِ كُلِّ عَمَلٍ صالِحٍ يَبقى له في قَبرِه، ويَنفَعُه في آخِرَتِه، فيَكونُ سَبَبًا لِدُخولِ الجَنَّةِ، وتَرهيبٌ وتَخويفٌ أنْ يَأتيَ الإنسانَ المَوتُ وقدْ فَرَّط في الأعمالِ الصَّالِحةِ، وأكثَرَ مِنَ المَعاصي والذُّنوبِ؛ فتَكونُ سَبَبًا في عَذابِه.

فإذا كان هذا هو حال الدنيا، وليس للراحلين منها إلا أعمال البر، فإن الوقت مناسب جداً لحسابها والتفتيش عن أخطائها، والوقوف معها وقفة معاتب صادق في الخلاص من عذاب الله تعالى لها غداً؟ إننا نقدم على الله تعالى في عرصات القيامة فلا نجد عدلاً أوسع من أن نأخذ كتاباً دُوّنت فيه أعمالنا، كتاباً حفظ الزلات، ورصد الخطيئات، ودوّن صغائر الأمور قبل عظائمها، قال الله تعالى “” وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) سورة الكهف

إننا نقدم على الله تعالى فإذا بنا بين طيات أعمالنا، ولا تتصوّر حال أولئك المذنبين حين يصوّر الله تعالى حالهم، قال تعالى ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) آل عمران ” فيا لله لو رأيتهم وذل المعصية يكتنف قلوبهم، وهول الموقف يعصف بآمالهم!

الأعوام تتصرّم وتنقضي، والأيام تتوالى، والأقدار مجهولة، ولا ندري متى نقدم على الله تعالى؟ فما أحرانا بوقفة صادقة نستجلي فيها حياتنا، ووقفاتنا، وأعمالنا. وقفة نتأمّل فيها دقائق أعمالنا وصغائر أخطائنا.

لو استعرض الواحد منا حديثه، وما يبثه لسانه، وحاسب نفسه عليه لأدرك أن القضية خطيرة جداً، وأن الإنسان إن لم يتنبّه للخطر اليوم فقد يغرق غداً، كيف لا. والله تعالى يقول ” ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد “فأي شيء تكلمت به منذ خلقك الله تعالى إلى يوم القيامة محفوظ في صحائف الملائكة التي أخبر الله تعالى عنها بقوله: ” وإن عليكم لحفظين، كراماً كتبين ” وإذا كان اللسان يراقَب هذه المراقبة فما بالك بسائر جوارحك؟!

إن الموقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة عظيم، يربح فيه الرابحون المحاسبون لأنفسهم، ويخسر فيه المفرّطون، عرض الله تعالى صورة الرابحين يوم القيامة، وجزاؤهم بين يديه فقال تعالى

” هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ص:49-54] ” وعرض حال أهل الخسارة ومواقف الندم ، فقال تعالى  ﴿هَـٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّـٰغِینَ لَشَرَّ مَـَٔابࣲ ۝٥٥ جَهَنَّمَ یَصۡلَوۡنَهَا فَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ۝٥٦ هَـٰذَا فَلۡیَذُوقُوهُ حَمِیمࣱ وَغَسَّاقࣱ ۝٥٧ وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جٌ ۝٥ ” الصافات

وصوّر الله تعالى خسارتهم، وأنها تظهر على وجوههم، وتلوّث أجسادهم فقال تعالى ” وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) سورة الزمر” وعرض صورة من صور فوز المتقين فقال تعالى ” وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) سورة الزمر “

إن المسؤولية عظيمة جداً، وأيام الدنيا من حاسب نفسه فيها، وعرف طريقه، كان إلى الفوز أقرب من الخسارة، ولقي من النعيم ما ينسيه معالم الدنيا كلها. ومن آثر هذه الحياة، ونسي حساب الله تعالى وقع في المهالك، وخسر خسارة المفرطين. قال تعالى ” فَأَمَّا مَن طَغَىٰ (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (41) سورة النازعات “.

إن الموقف بين يدي الله تعالى عظيم، ولك أن تتصوّر اليوم الواحد في عرصات القيامة بخمسين ألف سنة قال تعالى  ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) إنه اليوم الذ تتعرّض فيه كل المعالم للخراب والدمار، ويبقى حسابك واقعاً حتمياً، قال تعالى ” يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) “

إن اليوم الذي تقف فيه بين يدي الله تعالى يصعب تصويره، يكفيه فزعاً أن يلوذ منك والداك بالفرار، يفر منك أقرب الناس إليك في صورة مفزعة يعرضها القرآن كأوضح ما تكون ” يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) سورة عبس” تأمّل هذه الصورة، وأمعن النظر فيها، تأمل أقرب الناس إليك اليوم كيف هم أهرب الناس منك غداً؟.

إن مواقف الحسرة للمفرطين تبدو في جوارحهم التي حرصوا على نعيمها تشهد عليهم في مواقف الحسرات، وتفضحهم في مواطن الهلكة والنهايات، قال الله تعالى ” وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) ” سورة فصلت

كيف يهنأ مسلم دون أن يحاسب نفسه؟ وهو يعلم أن مثاقيل الذرة محسوبة عليه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، قال تعالى ” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) سورة الزلزلة”

لنحاسب أنفسنا فإنا سَنُكلّم ربنا ليس بيننا وبينه ترجمان، قال صلى الله عليه وسلم ” ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأَمَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يدَيه، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ، ولو بشِقِّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ “

لنحاسب أنفسنا لأن أقدامنا لن تزول من مواقف الحساب إلا بعد سؤال دقيق عظيم، يقول صلى الله عليه وسلم “لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟ ” ويقول صلى الله عليه وسلم: (إني أرى ما لا تَرَوْنَ وأسمعُ ما لا تسمعون أَطَتِ السماءُ وحقٌّ لها أن تَئِطُّ ما فيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلا وملكٌ واضعٌ جبهتَه للهِ ساجدًا واللهِ لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وما تلذَّذتم بالنساءِ على الفُرُشِ ولخرجتم إلى الصُّعداتِ تجأرونَ إلى اللهِ لوددتُ أني كنتُ شجرةً تُعْضَدُ). وقال صلى الله عليه وسلم أن الشمس:” تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ -قالَ سُلَيْمُ بنُ عامِرٍ: فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْنِي بالمِيلِ؛ أمَسافَةَ الأرْضِ، أمِ المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ به العَيْنُ؟ – قالَ: فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا. قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ إلى فِيهِ.”

وأبان صلى الله عليه وسلم عن مواقف القيامة فقال: “يَعْرَقُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حتَّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ.”.

وروى أبو هريرة قال: “كُنَّا مع رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، إذْ سَمِعَ وَجْبَةً، أي صوت سقوط حجر ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: تَدْرُونَ ما هذا؟ قالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: هذا حَجَرٌ رُمِيَ به في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهو يَهْوِي في النَّارِ الآنَ، حتَّى انْتَهَى إلى قَعْرِهَا. وفي رواية: هذا وَقَعَ في أَسْفَلِهَا، فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا.”

. وتحدّث عن حشر الناس فقال في الحديث الذي ترويه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ” يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ! قالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا عائِشَةُ، الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ.” يجمع الله الناسَ يوم القيامة ليس لهم نعال، وليس عليهم ثياب، وغير مختونين، يخرجون من قبورهم كيوم ولدتهم أمهاتهم. فقالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله، الرجال والنساء، عراة ينظر بعضهم إلى بعض. قال: الأمر أعظم وأشد من أن يهمهم ذلك، أو من أن ينظر بعضهم إلى بعض.  

إن ما بينننا وبين الله تعالى عظيم، فهو يعلم سرنا وجهرنا، ظاهرنا وباطننا، يرانا في وضح النهار، كما يعلم خبايانا في جنح الظلام، ولن نغيب عن نظره، وملائكته يدونون علينا كل صغيرة وكبيرة. سرائرنا مكشوفة له كما هي ظواهرنا.

نسأل الله أن يجعل عامنا الجديد عاماً مباركاً، وأن يكتب لنا ولأوطاننا وللأمة العربية وللأمة الإسلامية فيه من البركة والتوفيق والنصر والتمكين ما يفرح به كل مسلم على وجه الأرض. والحمد لله رب العالمين.

  • ملاحظة: منقول بتصرف من موقع الشيخ الفاضل د. مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى