لا تظلموهن / جمال الدويري

لا تظلموهن
عن الغارمات اتحدث، اعزائي، فقد كتب الأستاذ الفاضل، رمزي الغزوي في الدستور اليوم، وتحت عنوان (كيف غرمت الغارمات) جردة حساب قلبت حسب تقديري مواضع الجاني والضحية، في سياق غير عادل البتة، بل صارخ الظلم والتقدير، وأكثر ما ساءني بتقدير الأخ العزيز كاتب المقال، هو افتراض سوء النية التي تفيد معنى سرقة مال الغير، عندما يعزي اسباب المشكل، اقتبس: (انعدام نوايا السداد لحظة اخذ القرض) انتهى الاقتباس.
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ما بدأ به الكاتب المحترم، مقاله، واجابته على السؤال عنوان مقالته، لماذا غرمت هذه النسوة، ولم ينجحن بالمشاريع والسداد، حيث يضيف الى الجهل، سببا اخر استخدم لتوضيحه مصطلح
(اللذة المستعجلة)، للدلالة على الصرف والتبذير والتوسيع على انفسهن وعوائلهن، رابطا ذلك بالنزعة الى البذخ بعيدا عن اسباب الاقتراض الرئيسة، لاقامة مشاريع ربحية صغيرة، للشطط بالتوجه لشراء سيارات وخلويات جديدة وغسالة وجلاية وأثاث جديد، الى تمويل رحلات سياحية، مستنكرا ذلك على مبدأ (اللي معوش ما بالزمهوش)، نعم هذا منطق المجتمع الرأسمالي والطبقي، الذي اوافقه على جزئيته هذه، لكنني وعبر حيثيات وتفاصيل موثقة لهذه المشكلة التي اغرمت الغارمات، فان غالبية هذه القروض تتراوح بين بضع مئات الى بضعة الاف بالغالب، وبالغالب لسيدات وعائلات، اكبر مبلغ مالي وقع بمتناول اليد، في حياتهم هو مبلغ القرض، سبب البلاوي هذا، محسوما منه سلفا، مبالغ رسوم وبدل كذا وبدل كذا، الذي ليس للموت ولا للحياة، وليس حتى تحت اكثر الظروف مثالية، كافيا لمشاريع او استثمارات، وفي احسن الأحوال، يقصر عن شراء عنزة شامية او زراعة سربين من الباميا والفاصوليا. فعن اي مبالغ ومشاريع وتبذير وسياحة وسيارات نتحدث ايها العزيز؟
وهذا الحكم المطلق يا صديقي، المتمثل باتهام الغارمات، بغياب التفكير الصحيح، وأن هذه النسوة بالتالي اغرمن انفسهن، وأنهن قد وقعن بفعل ايديهن، وبترف الأحلام والتشبه بشرائح مجتمعية، لا تكفيها هذه المبالغ بنزين سيارة نهاية الأسبوع او عشاء في احد مطاعم الوجبة ذات الأطباق الخمسة المتتالية، اجزم انك قد وجدت صعوبة باقناع نفسك به، والكتابة عنه بهذا الاندفاع وغياب الموضوعية.
الفقر والجوع والعوز والحاجة الماسة، والعيش من وجبة لأخرى، وانعدام الأفق وامكانية استخدام الخطط الخمسية والعشرية، وهنا اعني الأيام وليس الأعوام، اضافة الى طرق صاحب الشقة وراعي الماء والكهرباء ومصروف العيال وستر عوراتهم وتبديل اسمالهم الموسمية، على عصب وصبر واحتساب ولي الأمر المثقل اصلا بدين او قرض، حتى تضطر ربة البيت للاستدانة والغرم، هي مصطلحات قاتلة مؤذية مؤلمة لمن يقع تحت كاهلها، وحد سيف مصلت على الرقاب والأرواح والنفوس والوجدان، لم تجد الكثير من الغارمات، مخرجا او امل بمخرج منها، سوى مد ذات اليد والكرامة لهذه الأيدي البيضاء بالربا الفاحش ونسب الربح والفوائد التي جاوزت في بعضها ممارسات شيلوك، بشحمه ولحمه وجشعه.
وردا على سؤالك ايها العزيز، عنوان المقال، فلا بد، وبكل المنطق والعدل، ان احيلك، ومن حقك تعرف، الى حكوماتنا المتعاقبة، والفساد، ومن سبب المديونيات وعجز الدولة عن معالجة الفقر والبطالة ومجانية التعليم والتداوي وسد رمق الشعب، بمعظم شرائحه، لا بل واغراقه الظالم باللجوء ومن غربه في وطنه، ومهما كانت الدوافع والمبررات، والمال يحرم على الجامع، سيدي، ان احتاجه صاحبه.
وان مكالمة دولة فيصل الفايز لك، مادحا على مقالتك، لا تخرج عن سياق السبب والمسبب الذي اغرم الغارمات وورط هذه النسوة اللواتي اردن ربما فطورا عند هاشم وسياحة عن حبيبة، وليس صورة مع الطباخ التركي الشهير في مطعمه الأشهر.
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة…على النفس من وقع الحسام المهند.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى