
#إسرائيل أكثر #عنصرية من #النازية: #جريمة #صمت_العرب و #شراكة_الغرب
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
لم يشهد التاريخ الحديث مأساةً متواصلة ومركبة كما يشهدها #الشعب_الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عاماً، #مأساة تُعيد إلى #الذاكرة أبشع ما ارتكبه هتلر بحق #اليهود في أوروبا، لكنها في الحالة الإسرائيلية تفوقها بشاعةً وعنصريةً وامتداداً زمنياً. فبينما وُصفت الحقبة النازية بأنها صفحة سوداء في تاريخ البشرية وأدينت على مستوى العالم، فإن إسرائيل تمارس منذ نشأتها سياسات أكثر عنفاً وعنصرية، لكنها تحظى بالدعم الغربي و #التواطؤ_الدولي، وكأن دم الفلسطيني أرخص من أن يثير ضميراً أو يهز وجداناً.
لقد استثمر اليهود #مأساة_النازية بصورة بشعة، فبالغوا في تصوير #الجرائم وتضخيم أرقام الضحايا، وحولوا #الهولوكوست إلى تجارة سياسية واقتصادية تدر عليهم المليارات. ولا تزال ألمانيا حتى يومنا هذا تدفع تعويضات سنوية عن تلك المرحلة، بينما لم يُحاسَب أحد على المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. الغرب الذي أسس محاكم نورمبرغ لمعاقبة رموز النازية، هو ذاته الذي يغض الطرف عن قتل الأطفال وتجويع المدنيين وقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها في غزة والضفة، بل ويتواطأ بتقديم الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي للمحتل الإسرائيلي. هذه هي قمة ازدواجية المعايير، وهذه هي العنصرية بأوضح صورها.
إن ما يجري في #فلسطين اليوم يثبت أن إسرائيل أكثر عنصرية من النازية نفسها. فهتلر، رغم جبروته، لم يحاصر شعباً بأكمله في مساحة ضيقة كما هو الحال في غزة، ولم يحول أرضاً كاملة إلى معازل محاصرة كما هو الحال في الضفة الغربية. إسرائيل وحدها التي شرعنت القتل الممنهج، وأضفت على المجازر طابع “سياسة الدولة”، وحوّلت حياة الفلسطينيين إلى جحيم دائم تحت الاحتلال والتهجير والاغتيال والتدمير. بل إن إسرائيل، مدفوعة بغطرسة القوة والدعم الغربي غير المحدود، تسعى إلى تدمير أي مقومات لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وتعمل بلا هوادة على محو الهوية الفلسطينية وابتلاع الأرض شبراً شبراً.
لكن المأساة الكبرى ليست فقط في تواطؤ الغرب، وإنما في صمت العرب. فكيف يقبل قادة العرب أن يظل الشعب الفلسطيني ذبيحاً على مذبح العنصرية الإسرائيلية، بينما يتسابق بعضهم إلى التطبيع وإقامة العلاقات مع إسرائيل وكأنها جار طبيعي؟ كيف لمصر والأردن وسوريا ولبنان، وهي الدول التي استبيحت أراضيها ومقدساتها غير مرة على يد إسرائيل، أن تتعامل مع العدو وكأنه شريك محتمل للسلام؟ أية مهزلة سياسية تلك التي تجعل بعض الأنظمة تراهن على أوهام السلام مع إسرائيل، فيما الأخيرة لا تخفي مشاريعها التوسعية ولا تتردد في تهديد أمن تلك الدول نفسها؟
إن سقوط غزة – لا قدر الله – لن يكون نهاية القضية الفلسطينية فحسب، بل سيكون بداية سقوط مدوٍ لكل العرب. فغزة هي خط الدفاع الأول، وإذا سقطت ستسقط خلفها العواصم العربية واحدة تلو الأخرى، وسنكون شهوداً على بداية قيام “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من النيل إلى الفرات، وعلى تفتيت الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية متناحرة. من يظن أن إسرائيل ستقف عند حدود فلسطين يعيش في وهم قاتل، ومن يراهن على “سلام دائم” مع هذا الكيان لا يفهم طبيعة المشروع الصهيوني الذي يقوم أصلاً على الإلغاء والإقصاء والتهجير.
والأدهى من ذلك أن الأنظمة العربية لا تكتفي بالصمت، بل تنشغل بمحاربة تيارات الإسلام السياسي وكأنها الخطر الحقيقي على وجودها، بينما العدو الإسرائيلي يتوسع ويتمدد ويهدد وجود الأمة كلها. إن معادلة الأولويات مختلة تماماً، فبدلاً من أن تُوَجَّه الجهود إلى مواجهة إسرائيل ومخططاتها التوسعية، نجد أن الحكومات العربية تبدد طاقاتها في صراعات داخلية تضعف الجبهة الداخلية وتفكك النسيج الاجتماعي.
لقد آن الأوان للعرب أن يعيدوا النظر في سياساتهم الداخلية والخارجية على السواء. داخلياً، يجب التوقف عن استعداء الحركات الإسلامية وشيطنتها، لأنها تبقى جزءاً من النسيج السياسي والاجتماعي للأمة، وقد أثبتت التجارب أن محاربتها لا تخدم إلا إسرائيل وأعداء الأمة. وخارجياً، لابد من إعادة صياغة السياسة العربية تجاه إسرائيل والدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي تشكل الذراع العسكري والسياسي للصهيونية العالمية. إن استمرار العرب في سياسة الاستسلام والتبعية لن يقود إلا إلى مزيد من الانهيار والتفكك، بينما المقاومة ووحدة الصف العربي هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من كرامة الأمة ووجودها.
وختاماً، إذا كان الغرب قد أدان النازية وخلّد ضحاياها في ذاكرة العالم، فإن صمت العرب اليوم على جرائم إسرائيل سيظل وصمة عار في جبينهم، وستلعنهم الأجيال القادمة على خيانتهم لقضيتهم المركزية وتفريطهم في أرضهم ومقدساتهم. إن إسرائيل ليست مجرد كيان محتل، بل مشروع عنصري توسعي يتجاوز النازية في وحشيته، وإن لم يتحرك العرب اليوم دفاعاً عن فلسطين فإنهم سيدفعون الثمن غداً حين يكتشفون أن سقوط غزة لم يكن سوى بداية سقوطهم جميعاً.