احترامي للحرامي / يوسف غيشان

احترامي للحرامي
اتحدث هنا على قاعدة أن الدنيا حكايات، وليس غريبا أن معظم الديانات، السماوية وغير السماوية، ومعظم الفلسفات وحتى الأيديولوجيات، نشرت تعاليمها ووصاياها عن طريق القص السرد والحكاية، لأنه اسلوب سهل يفهمه الإنسان، مهما كانت درجة ثقافته، ويفهم مغازيه ومعانيه، بدون جهد كبير. وحكايتنا اليوم عن ذلك الرجل الذي كان يشاهد فراشة قيد التكوّن، وهي تحاول الخروج من شرنقتها.
توقفت الفراشة الوليدة قليلا عن الحركة داخل شرنقتها نصف الممزقة، فاعتقد ذلك الرجل أن الفراشة تحتاج الى مساعدة للخروج، فأزال غشاء الشرنقة. فعلا خرجت الفراشة بكل يسرسهولة ،خرجت بلا تحفظ، لكنها بعد قليل توقفت مجهدة،تتنفس بصعوبة ولم تستطع الطيران ، ثم ماتت.
لم يدرك ذلك الرجل، من البداية، أن الفراشة مثلنا تماما ، نحتاج الى المواجهة والصراع من أجل أن يكتمل نمونا الجسدي والعقلي والنفسي ، وحتى نكون أقوى في مواجهة الحياة بكامل لياقتنا البدنية والذهنية . وقد حرم ذلك الرجل الفراشة من خوض نصف معركتها ،فلم تكتمل أجنحتها ولا أجهزتها.
الحياة صراع ومواجهة .. وفي أي لحظة ينتهي الصراع تنتهي الحياة ، وتنتهي جدليتها ، وتذوي مبرراتها، لا مكان للنائمين في معركة الحياة.
المحامي مثلا ، يريد لك كثرة المشاكل حتى يكثر شغله وتكبر ثروته من جيبك. والطبيب- بالطبع يتمنى- لك المرض حتى يرسل ابناءه لدراسة الطب في الجامعات الأمريكية والبريطانية على حسابك.
الميكانيكي يتمنى ان تتعطل سيارتك حتى يقوم بتصليحها- وربما سرقة بعض قطعها-، لكن هل تعرف من يتمنى لك الثروة وكثرة المال والنوم براحة بال وهناء؟؟؟
هل تعرف؟؟
– انه الحرامي .
هل يعني ان الحرامي يحبك اكثر من الاخرين ، بالتأكيد لا . المحامي والميكانيكي والطبيب وغيرهم هم جزء من النظام العام، وهم وإن سرقوك احيانا ، الا انهم ينفعونك كثيرا، ويجعلونك تمارس حياتك بشكل طبيعي متناسقا مع موسيقى الطبيعة وصراغ الأضداد.
اما من يتمنى لك الثراء النوم والهناء ..فهو اللص.
فلنحيا معا على فراش دائم من القلق.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى