سواليف
الدوائر الحكومية الأميركية أغلقت أبوابها مرة أخرى، والبيت الأبيض في قمة الفوضى، كما أن الكونغرس في ذروة العجز، بينما البورصة في ذعر ضرب بدرجته الرقم القياسي.
ولا مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية اجتمعت العناصر الأربعة في يوم واحد، كما حصل أمس، الخميس. إخفاق غير مسبوق بتزامنه وبشموله. ثمة شعور عميق بالإحباط والورطة في واشنطن.
مشهد يعكس مدى العطب في الماكينة الأميركية، خصوصاً السياسية والمالية، والذي يثير الكثير من القلق والخشية لدى سائر الدوائر المعنية في واشنطن.
عند منتصف ليل أمس، تكرر سيناريو 20 يناير/كانون الثاني الماضي، توقف قطار العمل الحكومي الفيدرالي لنفاد الوقود المالي في الخزينة. المرة السابقة بقي الإقفال ليومين، أما الآن فقد يبقى لساعات فقط، إلا إذا وقعت مفاجآت وتعقدت العملية أكثر مما هي معقدة.
لكن، في كل الأحوال، انكشف الخلل الكبير في الكونغرس. الحزب الجمهوري يسيطر على مجلسيه، ومع هذا لا يقوى على تمرير تمويل قصير المدى، ناهيك بالموازنة. فقد الليونة اللازمة، خصوصاً في مجلس النواب، لكسب عدد من الديمقراطيين لضمان غالبية 60 صوتاً يتطلبها مثل هذا التمرير.
الانقسام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية تجاوز الخصومة، أخذ أو كاد طابع العداء والقطيعة بين الحزبين. بذلك غاب التنازل المتبادل اللازم للتلاقي، فوقع الكونغرس بالعجز عن التشريع ومعالجة القضايا الهامة. وقع في مأزق. وزاد من أزمته أن الجمهوري نفسه منقسم على نفسه.
مساء أمس، عارض سناتور جمهوري واحد، هو راند بول، حزبه، ما أدى إلى الإغلاق، والرئيس دونالد ترامب، المفترض أن تكون له مونة على حزبه (والجمهوري)، غاب عن ممارسة هذا الدور في هذه الجولة، ربما لأنه عرف مسبقاً بأن نفوذه في الكونغرس لا يكفي لضبط الاصطفاف وراءه.
”
الكونغرس وقع بالعجز عن التشريع ومعالجة القضايا الهامة
”
وصحيح أنها ليست المرة الأولى التي يحصل فيها إغلاق متكرر في غضون أسابيع قليلة، إذ إن هناك سوابق مماثلة أيام الرئيس رونالد ريغان عام 1984، وفي زمن الرئيس بيل كلينتون عام 1995، لكن الفارق هذه المرة أن “الاختلال” دائرته أوسع، وأن الرئاسة تحت التحقيق وفي وضع متخبط.
كذلك، فإنه يوم أمس، اضطر مسؤول آخر كبير في البيت الأبيض، روب بورتر، إلى الاستقالة تحت ضغط فضيحة مزدوجة؛ تبيّن أنه كان يضرب زوجته الأولى ثم الثانية (قبل طلاقه منهما)؛ ومع ذلك استبقاه الجنرال كيلي، كبير مسؤولي البيت الأبيض، في مكتبه لأكثر من سنة رغم علمه بالتهمة، حسب المعلومات وما تشي به الوقائع والإفادات.
ومع أن بورتر لم يحصل على “البراءة الأمنية” المطلوبة، ربما بسبب سلوكه الزوجي المشين والذي يصنفه القانون في خانة العمل الجرمي، بقي يطلع على الوثائق والمعلومات السرية التي كان ينقلها إلى مكتب الرئيس، وكأن المقاييس المعمول بها في تعيين موظفي البيت الأبيض جرى تجاهلها بحكم الفوضى السائدة فيه، والتي يتندر المراقبون بقصصها.
وتضاعفت الفضيحة عندما طاولت الجنرال بعد التشكيك بتكتمه على وضع بورتر وإشادته به أكثر من مرة، الأمر الذي رسم علامات استفهام حول صدقية الجنرال الذي كان يعتبر أحد أركان الثلاثي العسكري في إدارة ترامب، هو وماتيس ومكماستر.
ولتكتمل لوحة النكسات، انتهت مداولات بورصة نيويورك، أمس، بخسارة 1038 نقطة. وهي ثاني مرة تتجاوز الألف في يوم واحد، خلال أقل من أسبوع. تكرار الرقم الفريد في غضون أيام، حمل رسالة محبطة إلى البيت الأبيض الذي لطالما تباهى بالصعود التاريخي لأسعار الأسهم باعتباره جاء بفضل انتخاب ترامب. لكن التدهور المدوي للأسعار والذي شطب كل أرباح البورصة لعام 2017، أسقط هذا الزعم.
لكن الأهم والأخطر أن ما جرى قد لا يكون فقط من باب التصحيح الذي تحتاجه الأسعار المتضخمة قيمتها الورقية، بل ربما أيضاً من باب الإنذار المبكر “لأزمة مالية عالمية” تكمن جذورها في غزارة “القروض الرخوة التي وفرتها البنوك الكبرى والتي لا تخلو من المجازفة”، تماماً كما حصل في أزمة 2008. الهبوط في خسائر البورصة بآلاف النقاط وبصورة شبه متوالية، قد يكون أكثر بكثير من عملية توازن في الأسواق.
باتت المشاكل والأزمات والنكسات وجبة يومية في واشنطن، معظمها، إن لم يكن كلها، متناسلة من مشكلة أساسية، هي التحقيقات الروسية. ولحين البت بأمرها بصورة أو بأخرى، ستبقى “فقاسة” متاعب ومقالب تنعكس ليس فقط على الوضع الأميركي الداخلي بل أيضاً على السياسة الخارجية برمتها.
العربي الجديد