لا تنخدعوا بأوهام “صفقة القرن” / د.مصطفى البرغوثي

لا تنخدعوا بأوهام “صفقة القرن”

أربعة أوهام يحاول أصحاب ما يسمى بـ”صفقة القرن” ترويجها؛ الوهم الأول، أنها قدر لا مناص منه، ولا قدرة للشعب الفلسطيني على مواجهته، وأن الفلسطينيين سوف يجدون أنفسهم منفردين إن رفضوا هذه الصفقة. وهدف هذا الوهم إحباط الشعب الفلسطيني وقياداته، ونشر اليأس في صفوفهم لشل قدرتهم على مواجهة ما يخطط له من تصفية لحقوقهم.

والحقيقة أن المعزول ليس الشعب الفلسطيني بل إسرائيل وإدارة ترامب، والتصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة دليل ساطع على ذلك، ولن يخرج الطرفان من عزلة “صفقة القرن” ما لم يجدا طرفاً فلسطينياً شرعياً يوافق عليها. وذلك يقودنا للحقيقية الثابتة المناقضة لهذا الوهم، وهي أن الفلسطينيين هم الوحيدون الذين يملكون مفتاح نجاح أو فشل “صفقة القرن”، ومن دونهم لا وجود لصفقة أصلاً، بل ستبقى مجرد مشروع ليكودي من جانب واحد فاقد للشرعية، وعاجز عن التنفيذ.

الوهم الثاني، هو الادعاء بأن “صفقة القرن” تمثل حلاً متوازناً، وذلك أفدح التضليل. فكل ما تسرب ونشر من فريق “الصفقة” يؤكد أمرًا واحدًا، وهو أنها مشروع لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني لصالح رؤية نتنياهو وحكومته الصهيونية المتطرفة. ويكفي أن نذكر هنا بعض عناصرها، من تهويد وضم القدس وحرمان الفلسطينيين من حقهم فيها كعاصمة لدولتهم، والمحاولة السخيفة لاستبدالها ببلدات كأبو ديس أو العيزرية، إلى تصفية حقوق اللاجئين في العودة بدءًا بحل وتصفية وكالة الغوث الدولية، أو تحويل فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى مجرد سجن محاصر في غزة، ومعازل وجيتوات مجزأة إلى 224 جزيرة في 35% فقط من الضفة الغربية، بحيث تكون مجزأة بمئات الحواجز والمستوطنات والجدار ، ومن ثم ضم المستوطنات وما لا يقل عن 62 في المئة من الضفة الغربية لإسرائيل.

مقالات ذات صلة

وفي الخلاصة، فإن فكرة الدولة المستقلة تتحول حسب “صفقة القرن” إلى مجرد كيان إداري هزيل ومجزأ، بلا سيادة، وخاضع للهيمنة السياسية، والأمنية، والاقتصادية الإسرائيلية.

الوهم الثالث موجه إلى سكان قطاع غزة، الذي أنهك بالحصار وبالضغوط الاقتصادية والأزمة الإنسانية، لإقناعهم بأن من العبث مقاومة المخططات الاسرائيلية والأفضل الاستسلام لـ”صفقة القرن”، التي ستحول قطاع غزة إلى “سنغافورة جديدة”.

قصة سنغافورة ورفاهيتها هذه تم الترويج لها سابقا بعد توقيع اتفاق أوسلو، وكانت النتيجة ما نراه اليوم من دمار لقطاع غزة، وتلويث للمياه والتربة، وبطالة تطال أكثر من 80 في المئة من الشباب الخريجين، واعتداءات متكررة أودت بحياة الآلاف، “والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين”.

أما الوهم الرابع، فهو الترويج للحل الاقتصادي كبديل للحل السياسي، وهو ما أبدع جاريد كوشنر في تكراره في مقابلته مع صحيفة “القدس” قبل أسابيع. يريد كوشنر أن يقدم الفلسطينيون مزيدا من التنازلات، بعد ما تضمنه اتفاق أوسلو من تنازل عن 78 في المئة من وطنهم، وعن نصف ما قررته الأمم المتحدة دولة لهم.

ويريد كوشنر أن يتنازل الفلسطينيون عن القدس، وعن حق اللاجئين في العودة، وعن حقهم في دولة مستقلة، وعن حقهم في تقرير المصير، وعن أراضيهم التي سرقها المستوطنون والاستيطان، مقابل وعود وهمية باستثمارات لن تدفع الولايات المتحدة أو إسرائيل سنتا واحدا منها، بل يجب أن تأتي من الدول العربية مقابل تطبيع كامل بين هذه الدول وإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية وتصفيتها.

خُدع كثر قبل سنوات بأوهام اتفاق أوسلو، وبالسلام الذي ستجلبه المفاوضات، والنتيجة الوحيدة الحقيقية الملموسة لكل ما جرى هي ما نعيشه اليوم من حصار، وتنكيل وقمع وسجون، واستيطان واحتلال تحول إلى أسوأ منظومة أبارتهايد في التاريخ البشري الحديث.

لا يجوز للشعب الفلسطيني أو لقياداته، أو لقواه السياسية والمدنية أن تُخدع مرة أخرى. لا تدعوا أوهام “صفقة القرن” تتسرب لعقولكم، فطريقها لا يؤدي إلا إلى الجحيــم فقط.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى