التقليد الأعور !
ابن خلدون يرى أن المغلوب مولع بتقليد الغالب ..
على الرغم من أن الإنسان المقهور يظهر العداء و الكراهية للغالب الذي قهر ارادته إلا أنه في المستور من عقله الباطن ، و دوافعه غير المعلنه ، فإنه يخفي ميلا للإعجاب بهذا القوي ، متناسيا آلامه و جراحه .. و يميل إلى تقليده ، كونه نموذجا ، من وجهة نظره .
انظر كيف يقلده في طعامه و شرابه ، و ملبسه و مسكنه ، و طراز حياته .. و في جوانب ثقافته ، و لغته ..
إن ما ينطبق على الأفراد ، في هذه المسألة
ينطبق على المجتمعات .. و الدول ، ففي الدول التي وقعت تحت احتلال المستعمر نجد أن شعوبها أخذت بتقليد غاصبيها في معظم جوانب الثقافة و طرائق العيش ..و هذا ماثل في الدول الأفريقية ، مثلما هو واقع في مجتمعاتنا العربية.. و هذا مدعاة للعجب ! ففي الوقت الذي ناضلت فيه الشعوب ضد المستعمر لنيل حريتها .. وقعت في براثن تقليده و الافتتان به ، و هي تعاني من غزو ثقافي .. يكاد يلغي هوية هذه المجتمعات ، و يتجاوز خصوصيتها .
انظر إلى أنماط عيشنا .. و عاداتنا التي تراجعت أمام عادات غربية .. و استمع للغة غريبة ينطق بها أبناؤنا في الجامعات و المنتديات .. و انظر إلى صرعات اللباس التي يفتتن بها أبناؤنا و بناتنا !
سراويل ساحلة و ملابس ممزقة ، كأنما نهشتها الضواري .. ملابس تكشف أكثر مما تستر .. و ملابس أضيق من أحداق القطط !
صرعات تقذف بها دور الأزياء .. و يتلقفها
الشباب الواعد !
لقد وقعت مجتمعاتنا و للأسف في فخ العولمة .. بكل ما تعنيه الكلمة .. و إذ بنا أمام ثقافة غازية ،، جاذبة و مبهرجة ، تدعمها اقتصاديات عملاقة .. و إعلام و إعلانات فاتنة .. و ساعد في ذلك سرعة انتقال الانسان .. و سرعة انتقال الأفكار
فما يصمم في باريس ، تجده في اليوم الثاني في بيروت و دبي عمان ..
و ما يصنع في مصانع الغرب ، سرعان ما تجده على موائدنا و في منازلنا ..
من الطبيعي أن تتلاقح الثقافات ، و أنت تأخذ الأمم من بعضها .. و من الطبيعي أن تتطور المجتمعات .. و أدوات الحضارة
و لكن الويل لأمة تنكرت لهويتها ..
فلبست غير ثوبها .. و لوت لسانها بغير
لغتها .. و خرجت من جلدها ..
فما تغني القشور عن الجوهر !! فنحن حينما قلدنا الغرب لم نقلدهم في الجاد و المفيد من ثقافتهم .. كحب البحث و الاكتشاف ، و القراءة ، و احترام الوقت ، والتخطيط و استغلال ثروات الطبيعة ..
فكنا ننظر بعين واحدة .. فجاء تقليدنا
أعور .. !
أحمد المثاني
