ضحايا المنحرفين

#ضحايا #المنحرفين

المهندس: عبد الكريم أبو زنيمة
تنتشر في طول البلاد وعرضها مظاهر وسلوكيات خارجة على القانون والأعراف والعادات الأردنية الأصيلة التي ورثناها أبًا عن جد، لكن الأخطر منها هو التطاول على القانون وعدم احترامه والتقيد به وتطويعه في أحيانٍ كثيرة لمصلحة هذا أو ذاك ، وبذلك يفقد قيمته ووزنه وتأثيره؛ حيث أنَّ قوته تكمن في كفاءة وفعالية تطبيقه، فمعظم نصوص هذه القوانين الناظمة للحياة الاجتماعية العامة تُحاكي ان لم تكن أفضل مما هي عليه في الدول المتحضرة ، إن هذا الخروج على القوانين (قواعد السير ، إطلاق العيارات النارية ، المشاجرات ، تجارة المخدرات وتعاطيها وغيرها) يُفقدنا أعزاءَ لنا بشكلٍ شبه يومي، هناك مجموعة أسباب لهذا الاستهتار بالقوانين في مقدمتها الواسطة والمحسوبية والرشاوى واليأس والاحباط ، الواسطة التي أتت من رحم غياب العدالة وتغيبها وعدم ربط المسؤولية بالمسائلة أصبحت آفة اجتماعية آن الأوان للتخلص منها وفرض سيادة القانون وتطبيقه على الافراد والمؤسسات لضمان أمن الفرد والمجتمع والدولة، وهذا يتطلب وجود سلطات دستورية وفي مقدمتها سلطة قضائية مستقلة تحمي حقوق وحريات وواجبات كافة مكونات الدولة ويخضع لها الجميع تحت طائلة القانون (لا سلطة لأحدٍ عليها) وبخلاف ذلك تصبح القوانين مجرد نصوص وحبر على ورق لا قيمة لها، مما يُشجع البعض على عدم التفكير والاكتراث بنتائج افعالهم واستهتار آخرين بها ولجوء آخرين الى أخذ حقوقهم بأيديهم .
إن فشل السياسات الحكومية في تحقيق أية إنجازات يلمسها المواطن وتردي أوضاعه الاقتصادية وتفشي الفساد بأشكاله المختلفة وخاصةً الفساد الإداري والمالي في أجهزة القطاعين العام والخاص حال دون الاستثمار بالموارد الطبيعية والقطاعات الانتاجية الوطنية وجلب الاستثمارات، بالرغم من كثرة الوعود والمؤتمرات والمنتديات، بالإضافة إلى أنّ التراجع عن إجراء إصلاحات حقيقية وفي مقدمتها السياسية أضعف قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية تجاه مواطنيها مما ادى الى تضحم نسب الفقر والبطالة واليأس والاحباط وتفشي الامراض المجتمعية التي نشهدها اليوم، كما أدى الى انفلات أمني نلمسه من خلال التطاول على القانون والخروج على العادات والاعراف والتقاليد الاجتماعية ، والمخزي أكثر هو ممارسات البعض ممن شرعوا القوانين وكبار المسؤولين الذين يفترض فيهم الحرص على حماية واحترام القانون، مثل خروجهم وتباهيهم متوشحين بالأسلحة الرشاشة يطلقون منها عيارات الموت في المناسبات العامة وعدم احترام بعضهم لقواعد وآداب السير وسلب البعض منهم حقوق الآخرين ! فأحد أسباب عدم احترام المواطن العادي للقانون هو التناقض الفج بين أقوال المسؤولين وسلوكهم العام !
ما أحوجنا اليوم الى تغليظ العقوبات الرادعة بحق كل من يعبث بالسلم والأمن المجتمعي وعدم شمول الجناة بصكوك الصلح العشائرية كأسبابٍ لتخفيف الحكم على كل المستهترين الذين يتطاولون على القانون بأفعالهم التي غالبًا ما تكون نتائجها إزهاق أرواح بريئة، هذه الأرواح هي أشرف وأطهر واغلى وأعز ممن فُصّلت القوانين لحمايتهم ، من يطلق النار في المناسبات العامة هو قاتل عن قصد ولا يجوز التسامح معه ، من يقود مركبته وهو متعاطي للكحول والمخدرات ومتجاوزًا لقواعد السير هو قاتل عن قصد ، من يُتاجر بالمخدرات هو مجرم وقاتل ، من ينتهك ويتجاوز على حدود وحقوق الآخرين هو قاتل ، بات من الضروري التفريق بين الأزعر الذي يجرح نفسه ليقف بجانب المُعتدى عليه في المركز الأمني ، هناك الكثير من المعالجات القانونية أهم وأولى بكثير من قوانين تقييد الحريات وتكميم الأفواه التي ستزيد الطين بلة.
إننا اليوم أحوج ما نكون لفرض هيبة الدولة التي لا تعني الدولة البوليسية والتشدد في قمع الحريات العامة ونشر القوات الأمنيّة وإطلاق يدها في الشؤون العامة، بل تعني دولة القانون والمؤسسات، الدولة بمؤسساتها المستقلة المنفصلة عن بعضها هيكلياً المتناغمة والمتضامنة في قدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية العليا ورفاهية شعبها وترسخ الإيمان بها والامتثال لقوانينها والرضوخ لما تُمليه، من هنا يتحقق ولاء وانتماء المواطن لدولته ويترسخ الفهم والفكر الوطني للعلاقة فيما بينهما، وهذه المفاهيم والمعاني لن تتحقق إلا إذا شعر ولمس وأيقن المواطن بالعدالة وتكافؤ الفرص والمساواة ، عندها سيسود الأمن والاستقرار وستتحقق التنمية والرفاهية والازدهار وستتلاشى كل مظاهر الخروج على القانون .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى