” أمي … أعتذر !”

” أمي … أعتذر !”
د. محمد شواقفة

ترحل عيناي بين الجدار و الجدار ، تبحث عن طيف تلاشت ملامحه. هناك تقبع تلك الصورة خالية من الروح و بابتسامة توقفت خارج حدود الزمان و المكان.
يتملكني يأس مفعم بالحزن، لا أسمع صوتا و لو كان همسا. و لا أرى وهما و لو إجترحته يداي بألبوم صور لم أعد أتذكر تفاصيلها. و لا أجد عطرا من بقايا رائحة الجنة. فترتد علي جوارحي صمتا مطبقا إلا من حشرجات أنين أشبه بالبكاء. يأبى الدمع أن ينزل و لا يترك أجفاني المحملة بثقل الإغفاء فيغيب النوم ولا يكون في المدى غير الغياب.
أتذكر دون أن أنسى، عندما رأيتك جسدا مسجى و قد غادرت الروح بسلام و بلحظات سكون. لم أرغب حينها إلا بلحظات وداع يليق بك. ابتعدت عنك أقل من دقائق معدودة و لم أعلم أنها النظرة الأخيرة و عدت و لم تكوني هناك !!!
إنتظرتني عمرا كاملا بتفاصيله و بخلت عليك بلحظات الوداع. لم أعلم أنها نهاية قصتنا التي لم تكتمل أبدا و لم يخطر ببالي للحظة أنك عزمت على الرحيل. لم أطمع بأكثر من نظرة وداع أو همسة عتاب أو ايماءة بالرضا.
انطفأ سراج بيتنا الذي كان نوره يجمعنا حوله نحتري جذوة تدفئنا من برد المشاعر. و غاب معنى الحب الذي كنا ننهل منه ولا نرتوي لنبدأ رحلة عطش غريب و عجيب.
لم تسعفني الظروف في هذا العام البائس الحزين أن أكون في زيارتي لك في دار الخلود. و لم يعلم صاحب السطوة و القوة كم تعني لنا تلك الزيارة الى قبرك الذي شهد آخر لحظاتنا معا و منعنا من الحضور. أعتذر عن الظروف التي ألزمتنا بلاد الاغتراب و أعتذر من الكلام الذي لم يعد مباحا في زمن الخراب.
لم يقتلوا أحلامنا فحسب بل أيضا منعونا أن نحزن بما يليق بنا. لطخوا الأبيض بسواد قلوبهم و أفعالهم و جعلوا أسودنا خليطا من لون الدمار و الخراب. قتلوا كرامتنا و أمعنوا في إذلالنا و عرضونا بضاعة رخيصة في أسواق النخاسة. نحمل همومنا نصارع أمواج الاغتراب مرتزقة بلا وطن.
لا زلت أبحث في رحلة التيه عن وطني. و أنا علمت يقينا بعد أن دفنتك تحت الثرى أنك فقط ملاذي و وطني الذي غاب و مات.
أعتذر لك يا طريقي للجنة عن عدم حضوري فلا تنتظري أكثر فلم تفتح لي ” المنصة ! ”
من يعرفني و يحبني و من لا يعرفني و لا أعني له شيئا، فاتحة لروح أغلى الناس عندي !!

” دبوس على القهر ! ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى