أمهات الأردن يدفعن ثمن التعليم “أونلاين”

سواليف
لم تكن تجربة التعليم عن بعد في الأردن خفيفة الظلّ، كما في الكثير من البلدان الأخرى. وترى الأمهات أن معاناتهن أكبر بعدما تحولن إلى معلمات ومربيات، بالإضافة إلى كونهن أمهات

تبدو معاناة العديد من العائلات الأردنية كبيرة نتيجة لتجربة التعليم عن بعد، في ظل تفشّي فيروس كورونا، خصوصاً أن التلاميذ انقطعوا عن مدارسهم بعد مرور أقل من شهر على بدء العام الدراسي، لتصبح معاناة الأهالي أكبر من التلاميذ، نتيجة للمسؤوليات الكبيرة التي أُلقيت على عاتقهم.

في الوقت الحالي، تتولّى العائلات دور المعلّم والمراقب والمتابع لدراسة الأبناء الذين يواجهون صعوبات وتحديات نتيجة للدراسة في المنزل، لتدفع النساء الثمن بشكل أكبر، إذ عادة ما يكون دور الرجال ثانوياً في هذا الإطار. تقول فاطمة محمد، وهي أم لطفلين، لـ”العربي الجديد”: “في السابق، حين كان الأطفال يتعلمون في المدارس ومن خلال المعلمين والمعلمات مباشرة، لم تكن متابعة الواجبات المدرسية من قبل الأمهات سهلة. أما اليوم، فالمعاناة مضاعفة”.
تضيف أنها كانت كثيرة الانشغال بمشاكل أبنائها في المدرسة، فيما بات عليها اليوم القيام بدور المعلمة. بالإضافة إلى ما سبق، فإن البيوت أصبحت قابلة للانفجار بسبب الخلافات الزوجية وبقاء الأولاد في المنزل طوال الوقت، وبالتالي عدم قدرة الأطفال على تفريغ طاقتهم.
أما أروى الزعبي، فتقول لـ “العربي الجديد” إن لديها أربعة أطفال في مختلف المراحل التعليمية، لكنها تعمل ولا تستطيع البقاء معهم طوال الوقت، مشيرة إلى أن الأبناء خلال السنوات الدراسية الأولى يحتاجون إلى الكثير من المتابعة، حتى إن المعلمين والمعلمات يواجهون صعوبة في ذلك، فكيف بالأهل؟”. وتوضح: “في الحقيقة، لا أستطيع خسارة عملي. لكنني أخشى في الوقت نفسه أن يتأثر أبنائي أكثر فأكثر، نتيجة عدم الاستفادة من الدروس عبر الإنترنت، إضافة إلى عدم وجود وقت كافٍ للاستفادة من الدروس عبر الإنترنت، كذلك عدم وجود وقت كافٍ للتربية، بعدما باتت الأسر مشتتة ما بين التعليم والتربية، فضلاً عن تداعيات كورونا. من جهة أخرى، إن تعطّل منصة درسك في الكثير من الأحيان يشكل عبئاً إضافياً على الأمهات وأبنائهن، وقد زاد من حدة التوتر والضغوط وسط مخاوف من عدم القدرة أحياناً على تقديم الامتحانات”.
في هذا السياق، قال وزير التربية والتعليم تيسير النعمي، قبل أيام، إن أكثر من 400 ألف تلميذ لا يتابعون منصة درسك، ما يعني حرمانهم حقهم في التعليم. وبحسب مسح أعدته وزارة التربية والتعليم، فإن ما لا يقلّ عن 16 في المائة من الأطفال غير قادرين على المشاركة في التعلم عن بعد، أي إنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى منصة درسك، ولو لمرة واحدة. كل هذا يكشف حجم معاناة الأهل في الوصول إلى التعليم عن بعد.
بدورها، تشير الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلاب “ذبحتونا”، إلى أن نحو ربع مليون تلميذ غابوا عن الامتحانات، مشيرة إلى أنه على الرغم من مضي أكثر من ستة أشهر على تجربة منصة درسك، ما زالت وزارة التربية والتعليم عاجزة عن حل هذا الخلل المتكرر.
في هذا الإطار، تقول المتخصّصة في مجال الإرشاد الاجتماعي والصحة النفسية نجوى حرز الله، لـ “العربي الجديد”: “التعليم عن بعد أسلوب حديث قائم على بعد المسافة بين التلميذ والمعلّم، في كل ما يخص العملية التربوية. وقد أتعب هذا النظام التعليمي الأهل أكثر من التلميذ نفسه، فليس لدى غالبيتهم القدرة على إيصال المعلومات العلمية لأبنائهم، ما يضطرهم إلى شرحها في ظل عدم توافر التقنيات اللازمة”.
تضيف أن هذه الوسيلة تعتمد كل الاعتماد على الإنترنت، وهذه مشكلة بالنسبة إلى العديد من الأهالي الذين لا يستطيعون تسديد فواتير الإنترنت، أو لعدم توافر الأجهزة الإلكترونية الكافية لأبنائهم، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على استخدام مثل هذه التقنيات، خصوصاً عندما يكون أطفالهم في المراحل الأساسية ويفتقدون المعلومات التقنية.
وتشير إلى أن عدم تدريب المعلمين على الدراسة أونلاين أثّر في العملية التعليمية وأدّى إلى تأخّر في إتمام المنهاج، مضيفة أنه في ظل وجود فروقات فردية بين التلاميذ، التي يراعيها المعلم داخل الصف. إلا أن هذا الواقع يشكل معاناة للأهل، التي تظهر أكثر عند محاولة التلميذ التقدم للامتحان.
تضيف أن ضعف الإلمام بالتكنولوجيا يزيد من الضغوط النفسية، لافتة إلى أن التعليم أونلاين أبعد التلميذ عن تعلّم المهارات الاجتماعية والتواصل والتفاعل مع زملائه ومعرفة كيفية حل المشاكل نتيجة غياب التفاعل. وتوضح أن إجراء الامتحانات عن بعد قد لا يكون ناجحاً، باعتبار أنه ليس مضموناً عدم استعانة التلميذ بالكتاب في أثناء إجراء الامتحانات، ما يعني غياب مقياس حقيقي لمعرفة قدرات الأبناء.
وتقول: “تعدّ المرحلة الأولى من التعليم أساسية لتشكيل سلوك الطفل، وهو ما لا يدركه إلا المعلم الذي يملك الأدوات اللازمة لتحديد مشاكل الأطفال ومدى قدرتهم على استيعاب بعض المصطلحات، ليتولى العمل على تعزيز الثقة في النفس لدى التلاميذ”. تضيف أن كثيرين يعانون من جراء عدم القدرة على ترتيب الأولويات.
وترى أن وجود الأم أو الأب في أثناء الدراسة عن بعد يعد مشكلة للأهل، لاضطرارهم إلى تعطيل أعمالهم، وبالتالي عدم قدرتهم على تنظيم أوقاتهم. وتزداد المشكلة أكثر فأكثر إذا كان لدى العائلة أكثر من طفل في عمر الدراسة، فضلاً عن الصراع بين الأهل والمدارس الخاصة حول الأقساط، وعدم القدرة على الوصول إلى توافقات في أحيان كثيرة.
المرأة

إلا أنها تعود وتقول إنه “على الرغم من سلبيات التعليم عن بعد، تبقى هناك بعض الإيجابيات، منها منح التلميذ حرية اختيار الساعات التي يدرس فيها، أو حضور الدرس. ولا يحتاج التلميذ إلى الخروج من المنزل، ما يعني توفير الكثير من الوقت. كذلك إن تسجيل الحصص الدراسية يتيح للتلميذ حضورها مجدداً، وفي التوقيت الذي يناسبه”.

المصدر
االعربي الجديد
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى