أكذوبة المساواة / روان ضيا

” أكذوبة المساواة ”

أصبحت مبادئها واختياراتها الآن تختلف كثيراً عن اختياراتها في الماضي، فهي الآن إمرأة أكثر نضجاً وفهماً مما كانت عليه في السابق، التجارب والحياة التي عاشتها كانت السبب في صقل شخصيتها القديمة بقالب جديد مختلف عن شخصيتها السابقة، تحولت الآن من إمرأة مهزومة ضعيفة إلى إمرأة قوية رافضة رفع راية الاستسلام، تحولت إلى إمرأة محبة للحياة بعد أن أتيحت لها الفرصة في تجربة الزواج من رجل ثاني أنساها الألم الذي رأته في زواجها الأول، شخص لم يختاره قلبها فقط، بل اختاره قلبها وعقلها ومبادئها وكل ما فيها، رجل تعهدت في اختيارها له أن تأخذ كل الأبعاد، فما اعتاشته في الماضي كان كفيل لها بالحذر عند الاختيار ، فهي لم تعد أنانية تريد زوجاً لها فقط، بل الآن هي تريد رجلاُ يصلح أن يكون زوجاً وأخاً وصديقاً وخاصة أباً، نعم يهمها أن يكون أباً صالحاً وقدوة لأطفاله.

كان هذا التغيير الذي صقل شخصيتها بعد أن أنتهى زواجها الأول الذي نتج عنه ثلاثة أطفال أحدهما ذكر، كان زواجهما مبني على الحب ، نعم الحب فهي لم تحب شخصه فقط، بل أغرمت في شخصيته المرحة، شاب كريم الطبع ذو وجه بشوش كان كفيل بسحر قلبها الرقيق، وقعت في هيامه واصبحت زوجته وأم أطفاله، كانت الحياة تسير على ما يرام ولكن العشرة التي تصاحب الزواج تكشف كل شخص بتفكيره وأخلاقه وشخصيته وأهوائه وكل ما فيه، لم يكن الحب هو المشكلة ، بل كان الفكر الذي داخل عقله هو القضية التي أسفرت عن قتل الحب.

بدأت الأمور بعد أن كبر طفلها جاسم البكر، في حين كانتا أختاه التوأم تصغرانه بأعوام، كان الأب يعامل طفله الذكر بمبادئ وفكر مختلف تماماً عن معاملته طفلتيه، حيث يحق لجاسم ما لا يحق لأختيه، كان يثني على جاسم حين يراه يقف عند مدرسة البنات ليتغزل بأكبر قدر منهم ، ويعلمه ما ينقصه من أساليب الغزل ليوقع الفتيات في غرامه ، كان لا يعاقبه على تأخره لساعات طويلة خارج المنزل، فهو بنظره شاب يمكنه أن يفعل ما يريد، أما بالنسبة لطفلتيه فالتربية والدين والمبادئ الذي يحاول أن يغرسها لديهم مختلفة تماماً، فابنتيه لا يسمح لهما بالتحدث إلى الشباب بشكل مطلق، ولا يمكنهما أن يخرجا مع صديقاتهم للتسوق أو للتسلية، لا يسمح لهم بالخروج إلا برفقة ذويهم، يعظهم ويثير الرعب في قلوبهم مصوراً لهم الشباب على أنهم ذئاب مخيفة، كان هذا المنطلق ليس من باب الحلال والحرام، بل كان هذا المنطلق لكونهما إناث يجب أن يحافظا على عفتهما وسمعتهم، في حين ابنه جاسم يحلو له فعل ما يشاء دون أي مسائلة.

أدت المٌشادات والنزاع بينهم في كيفية تربية أبنائهما إلى طريق مسدود انتهى بالطلاق، فتربية جاسم لا ترضي والدته التي لا تفرق بين الذكر والأنثى، ، فكيف له أن يربي طفله جاسم بشكل منافي للأخلاق في حين يحث طفلتاه على الالتزام، عوضاً عن الكثير من المبادئ الخاطئة التي كان يتفوه بها ، أدركت أن تربية زوجها وفكره ينافي مبادئ عائلته وتربيتهم ، فزوجها من عائلة محافظة، ولكنه في نهاية الأمر اختار فكراً شاذاً عن العقل والمنطق الذي تربي عليه، ولم تكتشف زوجته هذا المستوى من التفكير والماضي إلا بعد مرور سنوات من الزواج، وبعد ذلك أدركت أنها تزوجت من شخص منافق يظهر خلاف ما يبطن في عقله وقلبه.

استطاعت الحصول على الطلاق دون أن تأخذ أولادها معها، حيث بمجرد أن قررت الزواج من رجل طلبها من أبيها بما يرضى الله قرر الابناء ترك أمهم والذهاب للعيش مع أبيهم، ولكن الحياة الجديدة التي نتج عنها أيضا طفل وطفلة الفارق كانت حياة مشرفه ترضي الله ، فزوجها الثاني رجل يخاف الله بقلب وعقل لا يفرق بين ذكر وأنثى، فهو قدوة مشرفه لأبنائه، كل ما اعتقدت أنها خسرته من ظلم وجفاء بسبب بعد أولادها عنها عاد لها بالخير، فأولادها من زوجها الأول عادوا إليها بعد أن أدركوا ووعوا أن تصرفات أبيهم ومبادئهم هي منافية للدين والأخلاق، وهكذا حازت على حب جميع أبنائها.

يجب أن ننظر إلى داخل ذواتنا ونتعرف أكثر على أنفسنا لنتجنب كثيراً من الأخطاء العبثية التي تودي بالمجتمع إلى الهاوية لأن كثير من التصرفات والافكار التي يمارسها الآباء تصبح مع الزمن ترسبات قوية لا يمكن التخلص منها أبداً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى