نظرية كيس الفئران / د. نزار نبيل الحرباوي

نظرية كيس الفئران
ما بين آلامنا وجراحنا الراعفة، وبين ما نصبوا إليه من مستويات متقدمة أو معقولة من النهضة والتقدم، كان لزاماً علينا أن نفطن إلى واقعنا، ونتنبه إلى بعض أوجه مأساتنا حتى ولو كان سردها قاسياً، فقصة واقعنا العربي اليوم هذه تشبه نظرية “كيس الفئران” فهل سمع أحد منكم هذه القصة؟.

لقد راسلني بها أحد الأصدقاء فسعدت بها برغم قسوتها، وهي تتلخص بأن مهندساً زراعياً مصرياً كان يعمل في إحدى قرى صعيد مصر فأراد الذهاب إلى أهله في القاهرة فذهب بالقطار وجلس بجانب رجل قروي فلاح مسن وكان بين رجليه كيس أو شوال من الكتان الكبير.

وبعد أن بدأت رحلة القطار، كان القروي في كل ربع ساعة يقوم بتقليب الكيس وخلطه ثم يثبته بين قدميه ويرتاح، واستمر الأمر هكذا على مدى 8 ساعات هي مدة مشوار الطريق! استغرب الرجل بجواره من صنيعه وتضايق، فسأل القروي باللهجة المصرية : ” إنت بتعمل إيه يا بلدينا؟ بقى لك 8 ساعات قالقني وشاغل بالي، إيه الي بتعملو؟”, فرد عليه القروي وقال له:
أنا فلان الفلاني من القرية الفلانية وأنا خبير باصطياد الجرذان ومعيشتهم، وأقوم ببيع وتوريد الجرذان للمركز القومي للبحوث بالقاهرة ليعملوا عليها التجارب.

قال له الرجل: يعني هذا الشوال فيه جرذان؟ فقال:نعم، فسأل الرجل: لماذا تقوم بتقليبه كل فترة ولماذا تهزّه؟

مقالات ذات صلة

قال الرجل: ” شوف يا ابني لو تركتهم ربع ساعة راكزين حيرتاحو وكل واحد حيحفظ مكانو ويأمن ويستأنس فينسى صحابو اللي حواليه ويبتدي يقضم ويخرم الشوال وحتكون مصيبة عليه.
فأنا كل ربع ساعة بقلب الشوال واخربطهم فبيتعاركو ويتخانقو بين بعض فينسو الشوال اللي هما فيه وأفضل كده لغاية ما أوصل بسلام!

هل وعينا حكمة هذا الإنسان البسيط في عالم السياسة المعاصر؟

معنى القصة الفعلي والدلالي، أن فلسفة الغرب والاستعمار المقنع تطبق علينا نفس النظرية، فكلما ارتاحت شعوبنا ولو لساعات، وانطلقت مشروعات الوفاق الداخلي، وبناء منظومات التعليم والصحة في بيئة الاستقرار، بدأ تحريك الكيس، وبدأ ضرب الجماعات والتيارات ببعضها البعض، وتم تحريك عجلة الفتن والتقارب والدعايات الإعلامية، ونعقت غربان الخراب فوق بيوت الوحدة، حتى نعود من جديد لنتحارب ونتقارع وننسى أننا في كيس واحد، وأن خطر الفناء يتهددنا سوياً إن لم نفهم اللعبة ونخرق الكيس قبل أن تكسب مراكز الدراسات فئرانا تجارب جديدة بمسميات جديدة.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى