كم لبثنا …!

كم لبثنا …!
م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

أخيراً وافق #الاحتلال الإسرائيلي على وقف إطلاق النار في قطاع #غزة بعد 11 يوم من التصعيد، إعلان لا يمكن اعتباره إلا انتحار سياسي لمن كان يؤكد بأن لا سقف زمني للعملية، وأنها مستمرة حتى تحقيق أهدافها في القضاء على قدرات #المقاومة الفلسطينية وقياداتها، فأي أهداف تحققت والصواريخ كانت تدك الاحتلال حتى آخر الدقائق قبل إعلان التهدئة، وأي أهداف تحققت بقتل ما يزيد عن 100 طفل وامرأة ما يشكل نصف ضحايا العدوان على غزة، ما يظهر إفلاس حكومة الاحتلال أمام مقاومة وشعب لا يعرف إلا صمود يكتب بماء الذهب، شعب انتفض في كل شبر من أرض فلسطين مع مقاومته الباسلة في غزة التي صنعت من الحجارة قذائف مرعبة ومن القطع الحديدية المتواضعة صواريخ زلزلت الاحتلال كما لم يحدث من قبل، إضافة للمواقف السياسية لدول المنطقة الفاعلة في القضية الفلسطينية كمصر والأردن والسعودية وتركيا والكويت وقطر والعراق وإيران وماليزيا وإندونيسيا وغيرها ممن وقفت في وجه الاحتلال بكل قوة ووضوح، متناغمة مع مواقف شعبية للأحرار في شعوب تلك الدول من عربية وإسلامية بل وحتى غربية، توحدت بصوت واحد مع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في العيش في دولته المستقلة، واليوم بكل هدوء علينا أن نعترف أن أفضل ما جاءت به هذه المواجهة هي إعادة تسليط الضوء على قضية فلسطين ليس فقط في العالم العربي والإسلامي بل وفي العالم بعد أن كاد يطويها النسيان، ليبقى أهم مكتسب يجب أن يخرج به الشعب الفلسطيني تحقيق الوحدة الوطنية السياسية والعسكرية اليوم قبل غداً، والترفع عن أي مصالح حزبية ضيقة أمام احتلال لا تفرق رصاصته بين عضو هذا الحزب أو ذاك، وبعد أن أعادت هذه المواجهة التأكيد على أن هذا الشعب بقلب واحد لا يعرف الانقسام لأجل قضيته ووطنه.

وهنا نقطة لفت انتباهنا حرص إعلام الاحتلال الدائم على التأكيد عليها لتثبيت أحقيته في أرض فلسطين، وتعود بنا لسؤال كم لبثنا؟ لمعرفة إن كان تاريخ هذا الصراع هو منذ العام 1948 أم غير ذلك؟ فتجدهم يؤكدون على تجذرهم في فلسطين وأنهم ولدوا وعاشوا فيها منذ أكثر من 3000 عام، وهم يرمزون بهذا التاريخ لمملكة بني إسرائيل الموحدة في أرض كنعان، وهي مملكة قامت قبل حوالي 3000 عام حوالي العام 1050 قبل الميلاد على يد شاؤول الملك أو طالوت المذكورة قصته في القرآن الكريم بعد دخوله أرض الكنعانيين (أرض الجبارين)، وهي ذاتها مملكة داوود وسليمان عليهما السلام، والتي انقسمت بعد وفاة سليمان عليه السلام وانتشرت فيها الصراعات لتنقسم إلى مملكة يهوذا في جنوب فلسطين والسامرة أو (إسرائيل) في شمالها حتى سقطت المملكتين تماماً بعدها بحوالي 500 عام، وهنا يصر الإسرائيليين على ان دخولهم للأرض المقدسة (أرض كنعان) كان بوعد من الاله بهذه الأرض لإبراهيم عليه السلام ونسله من بعده، ويربطون ذلك بإسحاق عليه السلام فقط ومن بعده يعقوب عليه السلام وأولاده ومنهم يوسف عليه السلام، مع العلم أن يعقوب أو إسرائيل عليه السلام عاش في فلسطين لفترة ثم هاجر مع كل نسله من بني إسرائيل لمصر بسبب المجاعة التي عمت وقتها واستقر في مصر وبقي فيها مع ولده عزيز مصر آنذاك (في زمن الفراعنة) يوسف عليه السلام والقصة مذكورة في القرآن الكريم، وعاش بني إسرائيل في مصر حتى جاء من اضطهدهم من الفراعنة فبعث الله نبياً آمنوا به هو موسى عليه السلام خرج بهم من مصر لدخول الأرض المقدسة (أرض كنعان) من جديد فدخلوها بعد وفاته مع يوشع بن نون عليه السلام الذي لم يقم مملكة بل دولة يحكمها القضاة تفرقوا واختلفوا من بعده من جديد، ثم توحدوا بعدها بسنوات للقتال مع طالوت أو شاؤول الملك كما ذكرنا لقتال الكنعانيين وأقاموا مملكتهم الموحدة لفترة من الزمن، إذن هنا نقطتين في غاية الأهمية، الأولى إن كان وجود الاحتلال في فلسطين هو لادعاء ديني بوجود وعد مقدس لبني إسرائيل أو لليهود في فلسطين وهو ما يحرصون على إظهاره من خلال عملهم على تهويد كل مفاصل الدولة والتأكيد على أنها دولة للشعب اليهودي فقط، وأن فلسطين هي الأرض المقدسة الموعودة لهم منذ الالاف السنين، وفي الحقيقة لا يقصدون فلسطين فقط بل أرض الميعاد من النيل للفرات والتي تشمل أرض فلسطين والأردن وأجزاء من مصر وسوريا وتركيا والعراق والسعودية، ويظهر ذلك جلياً في الخطين الأزرقين في علمهم ونجمة داوود بينهما، فهنا إن جاء الوعد لإبراهيم عليه السلام فقد جاء لكل ذريته من بعده من أبناء إسماعيل وإسحاق عليهما السلام على السواء، وحتى إن ربط اليهود الأمر بولادة إسحاق عليه السلام في فلسطين فحتى إسماعيل عليه السلام والذي يعود إليه نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولد في فلسطين قبل أن يهاجر به والده إلى مكة، وحتى المسيح عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم هناك، أضف لأن الوعد جاء لكل ذرية إبراهيم عليه السلام ممن يتبعون أوامر الله ويعبدونه حق العبادة ولا يظلمون ولم يأتي لليهود أو بني إسرائيل فقط، النقطة الثانية إذا كان نقاشهم بأحقية تاريخية في الأرض من خلال التواجد فيها منذ زمن بعيد قبل 3000 عام فأهلها من الكنعانيين والذين يعود شعب فلسطين لهم هاجروا إليها من الجزيرة العربية بين الأعوام 4000 إلى 5000 قبل الميلاد أي قبل أكثر من 6000 عام أي حتى قبل هجرة إبراهيم عليه السلام من العراق إليها، إذن فكم لبثنا نحن في هذه الأرض وكم لبثوا هم، وأي حق بقي لهذا الاحتلال في أرض فلسطين بعدها؟

رحم الله شهداء فلسطين وشافي جرحاهم وعوض صبرهم خير العوض في الدنيا والآخرة، وحقق لهم مرادهم في دولتهم المستقلة التي يستحقونها ليعيشوا فيها بعزة وكرامة وحرية كما كل الشعوب الحرة في هذا العالم.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى