أزمة المعلم الأردني ولعبة «روليت السلطة»

أزمة المعلم الأردني ولعبة «روليت السلطة»
بسام بدارين

من المثير للدهشة أن تتحول الحكومة الأردنية التي قررت “إخضاع” نقابة المعلمين إلى “مراسل حربي”، وظيفته إحصاء عدد التلاميذ الذين دخلوا فعلا الصف الدراسي في الأسبوع الأخير من إضراب المعلمين، ثم عدد المدارس التي “كسرت” إجماع الإضراب نفسه.

مدهش حقا أن يتحول كادر وزارة التربية والتعليم إلى “طاقم إحصائي”، حيث غرفة عمليات تحصي عدد المعلمين الذين خالفوا نقابتهم وخضعوا لقرار المحكمة الإدارية. وحيث قوائم تعيين لمعلمين بدلاء تنوي الوزارة تعيينهم فجأة بدلا من المضربين.

المخجل بالمقابل أن تقبل مؤسسات الإعلام الرسمي تغطية هذه العملية “الإحصائية”، فنحن في النهاية وبصرف النظر عن “أسلوب” نقابة المعلمين الذي نتحفظ عليه نتحدث عن “المعلم”. هنا حصريا الشعور بالخجل كبير، خاصة بقراءة الخبر المنشور ظهر الثلاثاء عن “التمكن من استئناف الدراسة في أكثر من 600 مدرسة” علما بأن التركيز على الإحصاء هنا يعني بأن المعلم المكسور قد ينجح لاحقا
في استقطاب الطلاب أنفسهم وعددهم مليون ونحو 600 ألف طالب لمسيرته الاعتراضية.

مقالات ذات صلة

أحد الخبراء أوضح أن الحكومة وهي تدير بصيغة سقيمة المواجهة، جازفت بمستقبل طلاب الثانوية العامة، على أساس أن عملية التبديل ونقص المعلمين بطبيعة الحال، وقبل فوضى الإضراب تستمر حتى نهاية العام الحالي، والتساؤل الآن حول ما سيحصل بعد التأخر لمدة شهر أيضا.

لا يوجد منطق وطني إطلاقا في دفع الدولة لمواجهة معلم صف. ولا كرامة إطلاقا في أي “انتصار بائس” من هذا النوع خصوصا للوطن، ولا أحد يمكنه احترام الفلسفة التي تقول بإخضاع معلم على دخول الصف وتدريس التلاميذ لأن الله وحده يعلم عمليا ما الذي يمكن أن يقوله أي مدرس لتلاميذ داخل الصف وهو يقوم بواجبه منكسرا. كل ملف المعلمين في الأردن مثير “للشفقة والشبهة” وجميع الأردنيين في فمهم ماء هذه الأيام.

طلب المعلمون اعتذارا كان يمكن تقديمه بكل بساطة من أي موظف في الحكومة أو شرطي ولو على قاعدة تطييب الخواطر لكن السلطة أصرت على أن الاعتذار مستحيل مع إقرار مسؤول أمني بارز جدا أمامي شخصيا بأن رجال الأمن في حالتين على الأقل استعملوا “خشونة غير مبررة وخارج التعليمات”.

لا مصلحة لأحد إطلاقا في “حل الأزمة” على حساب المعلمين ودون تقديم شيء فيه حد أدنى من الإنصاف لهم…هذا تحذير شديد لمن يحاولون في الحكومة والسلطة التذاكي وفرد العضلات.

الجهد الإحصائي المبذول حكوميا خلال يومين في مسار تحريض الأهالي على المعلمين كان يمكن أن يخصص لتطوير العملية التعليمية ولإدارة مفاوضات جادة فعلا تنزل نقابة المعلمين عن الشجرة بحل وسط يضمن كرامة جميع الأطراف ويراعي ظروف الدولة ولا يمس حساباتها الرقمية والمالية.

المعلم الذي يزيد ويعيد ويحاول “تلبيس” هذه الشريحة الكريمة المحترمة خطابا “خارج المألوف والهدف” ولا ينتمي لأدبيات المجتمع لا يختلف إطلاقا عن “الدب الإعلامي” الذي يحاول إدانة المعلمين فينام فوق الحكومة وهو يتهم حراك المعلمين أو يحاول شيطنته ويطرح عليه أسئلة ساذجة. كلاهما “بدائي” في أدوات التعبير وينبغي ضبطه.

صحيح أن النقابة كانت أبعد عن “الاحتراف السياسي والتنظيمي” في إعلان الإضراب، وصحيح أن نقابة المعلمين تسرعت بإعلان إضراب جامع وشامل فجأة وبدون برنامج. لكن الصحيح أيضا أن تلك البراءة والعفوية تعكس جوهر المعلمين الوطني وروحهم الأخلاقية ونبل سريرتهم وعدالة مطلبهم.
وهي براءة مخنوقة تحت وطأة رغيف الخبز المر هذه الأيام لا تعني في المحصلة إلا سقوطا ذريعا في مستنقع التضليل عند بروز أي محاولة لـ”شيطنة ” مطالب المعلمين أو حتى إخضاعها للتسييس.

ولا بدّ من تذكير “الإحصائيون الجدد” في الحكومة الأردنية: لا كرامة من أي نوع للوطن في إخضاع معلم يشعر بمساس كرامته وهو يدخل على طلابه.

هذا منزلق على المستوى الوطني لن يخدم حتى الحكومة نفسها وهي تتعاطى مع متطلبات “الأزمة المالية” وبالتأكيد ينزلق فيه الجميع من قمة الهرم إلى قاعدته، فالمعلم يحترمه الجميع والحكومة ينبغي أن تكون أول من يُظهر هذا الاحترام.

السهر الغريب والغامض على منع المعلمين من الاستفادة بأي شكل من الأزمة والإضراب قد ينطوي على أجندة تثير الشبهة فعلا، خصوصا بعدما علمنا مباشرة بما قاله أحد الوزراء لرئيسه في اجتماع رسمي عندما صرخ… “دولة الرئيس تنازلنا بقصة الزيادة المقطوعة على الراتب… لماذا لا نفعلها ونزيد المبلغ قليلا حتى نغلق الملف؟”.

الأهم والأكثر دلاله على تلك الفوارق والمقاربات يتمثل في لغة الرئيس الرزاز نفسه وهو يكرر “كلام المجاملات” عن “كرامة المعلمين” دون أدنى تلميح إلى أنه يستطيع التصرف كرئيس وزراء ويأمر بـ”التحقيق” بتجاوزات رجال أمن، قال المعلمون إنهم “أساءوا لهم” أو حتى دون توجيه أي أمر لأي موظف أو مسؤول بإطلاق عبارة “اعتذار” جف حلق نقابة المعلمين وهي تطالب به.

لا مصلحة لأحد إطلاقا في “حل الأزمة” على حساب المعلمين ودون تقديم شيء فيه حد أدنى من الإنصاف لهم… هذا تحذير شديد لمن يحاولون في الحكومة والسلطة التذاكي وفرد العضلات وتحريض شرائح على فئات والاسترسال في إحصاء مختل.. هذه لعبة روليت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى