التاريخ المنسي

التاريخ المنسي
د. هاشم غرايبه

تناقلت وكالات إعلامية من واشنطن عن جهود أمريكية لتوقيع جملة من اتفاقيات تحت عنوان “عدم اعتداء”، بين دول خليجية والمغرب من جهة، والكيان اللقيط من جهة أخرى.
لا يمكن حتى للأبله أن يصدق أن الكيان اللقيط قلق يخشى هجوما عسكريا أي من الأنظمة العربية، أو أن لديها صواريخ باليستية مصوبة تجاهه.
لكن الأقرب للتصديق أن هذه الإتفاقيات هي مجرد إشهار لباقي اتفاقيات (السلام) التي فرضتها أمريكا على الأنظمة العربية جميها، وبدأتها بدول الطوق، منها ما أنجز مثل اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، فيما لم تكتمل المعاهدة مع سوريا (وديعة رابين)، وما كانت مع الدول الأبعد بقيت طي الكتمان، ويبدو أنه آن أوان إعلانها.
فالتنسيق كان قائما حتى قبل تأسيس الكيان عام 1948 ، لكنه متباين بين نظام وآخر، ومرتبط بتبعيتها لبريطانيا، ففي الأقطار المجاورة لفلسطين، التي كانت مكلفة بالدور الأكبر في رعاية هذا الكيان وحمايته، تسترت بإرسال جيش الإنقاذ، والذي لم يقم فعليا بأية جهود قتالية حقيقية، وكانت اللجنة العربية المقيمة في بيروت لدعم المجاهدين، مُخترَقة من قبل المخابرات البريطانية، فتزود العصابات اليهودية الإرهابية بالمعلومات عن تحركات المجاهدين وتسليحهم.
ولعل في قصة استشهاد الضابط الأردني محمد الحنيطي خير دليل على ذلك، فقد كان عام 1947 قائدا لسرية في الجيش الأردني برتبة نقيب مكلفة بحماية مصفاة حيفا البريطانية، وعندما طلبت منه القيادة الإنسحاب تمهيدا لتسليمها لليهود رفض، فاستدعاه القائد “الجنرال كلوب” وقال له أنت أردني ما دخلك بالفلسطينيين، فأجابه: قبل أن تأتوا كنا شعبا واحدا، فهدده بتنزيل رتبته، فرمى رتبته وأوسمته والتحق بالمجاهدين، ولخبرته العسكرية أصبح قائدا لكل لواء حيفا، وعيّن المجاهد القسامي الكبير سرور برهم مساعدا له، وخاضوا معارك شرسة مع قوات العصابات الصهيونية المتواجدة في الاحياء اليهودية بالمدينة.
وفي 14/3/1948 قام المجاهدون بقيادته بمهاجمة قوات عصابة الارغون الصهيونية التى احتلت حي وادي النسناس، وحصل قتال عنيف ادى الى مقتل مئات من الإرهابيين الارغون ومنهم قائدهم بنحاس، وفر الصهاينة من الحي .
كان المجاهدون يعانون من قلة السلاح والذخائر فذهب بتاريخ 11/4/1948 مع مساعده “سرور برهم” وعدد من المجاهدين الى بيروت عن طريق عكا –الناقورة , وذلك لاحضار السلاح من اللجنة العربية، وبعد عناء كبير أعطتهم اللجنة سيارتي شحن كبيرتين كانتا تحتويان على السلاح والذخائر والألغام و المتفجرات.
وعندما مرور القافلة في مفرق مستوطنة “متوسكين” – الواقعة في شمال حيفا – وقعت في كمين صهيوني كبير محكم التدبير( مما يدل على أن معلومات أعطيت للصهاينة عنها).
قتل الكثير من المجاهدين المرافقين له، ورفض الشهيد الانسحاب إلى الخلف، وقام مع مساعده بادخال إحدى الشاحنتين الكبيرتين والتي تحمل حوالي 8 طن من المتفجرات الى داخل المستوطنة بالقرب من معمل المتفجرات ” مختبرات وايزمان” التي يعمل بها الكثير من نواة علماء الصهاينة، وفجروها عن طريق القاء قنبلة حارقة عليها, فأدى انفجارها إلى تدمير معمل المتفجرات وما حوله من مبان، ومقتل عدد كبير من الصهاينة تجاوز الـ 300 واستشهد الشهيد “محمد الحنيطي” ورفيقه “سرور برهم”، أما الشاحنة الأخرى فقد عادت سالمة إلى عكا.
نقل جثمان الشهيد إلى جنين ومنها إلى عمّان عن طريق وادي شعيب- السلط بسيارة شحن, وعند وصولها إلى مدخل مدينة السلط، تجمعت جماهير غفيرة من أهالي بلدته “أبوعلندا” ومن أهالي البلقاء عموما، وأخذوا يطلقون النيران احتفالاً باستشهاد الشهيد، وقام الخطباء بإلقاء الخطب الحماسية التي مجّدته الشهيد وكل المجاهدين على ثرى فلسطين، ثم نقل الجثمان في الليل إلى عمان ووضع في دار الإخوان المسلمين.
وفي اليوم التالي صلي على الجثمان الطاهر في المسجد الحسيني وشيّع في موكب عسكري مهيب إلى مقبرة المصدار وسار الآلاف من أبناء الشعب الأردني من كل العشائر والمناطق خلف الجثمان.
يجب على المخلصين من أبناء الأمة أن يدركوا الحقيقة المرة، وهي أن الكيان اللقيط ما كان ليبقى كل هذا الوقت لولا “التسيق الأمني”، فهذه الأمة ولادة الأحرار ومنجبة الأبطال.
ولولا أن تمكن أعداؤها من اختراقها من الأعلى ما هزموها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى