عمل مهند هادي، الذي يحمل الجنسية الأردنية، في منصب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية المعني بالأزمة في سوريا منذ العام 2020 بعدما قضى فترة من العمل لدى برنامج الأغذية العالمي. ومنذ يوم 12 نيسان/أبريل 2024، يتولى هادي منصب المنسق المقيم/منسق الشؤون الإنسانية في #فلسطين ونائب المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط.
وكان هادي في بروكسل في 10 أيلول/سبتمبر، حيث اجتمع مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي وقدم إحاطة صحفية في مقر مركز الأمم المتحدة الإقليمي للإعلام، وقدم شهادة مؤثرة للغاية حول الحالة الراهنة في #غزة والصعوبات التي يواجهها السكان والعاملون في المجال الإنساني.
وصرّح هادي بقوله: «ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يسبق له مثيل. والمعاناة التي يكابدها الرهائن منذ ما يقارب سنة ليست مقبولة. يجب إطلاق سراح الرهائن. وعندما نتحدث عن المعاناة الإنسانية، فنحن نتحدث عن معاناة الناس كافة. فينبغي ألا تلحق المعاناة بأي إنسان بسبب الحرب. ويجب ألا يعاني أحد بسبب السياسة الخاطئة. إننا، بوصفنا بشرًا، نتعامل مع النتائج التي تخلّفها السياسة الفاشلة.»
«مثل #فيلم_رعب من إنتاج هوليوود»
كان السيد هادي، خلال زيارته الأخيرة إلى غزة في نهاية شهر آب/أغسطس، في دير البلح و #خانيونس مع منظمة الصحة العالمية من أجل الإعداد لإطلاق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال. «عندما اجتزتُ الحدود أول مرة، كان الأمر يشبه فيلم رعب من إنتاج هوليوود، من الدمار الذي شاهدته. بدا الأمر كما لو أنك تشاهد فيلمًا. تفقد إحساسك بالواقع في بعض الأحيان، ويصعب عليك أن تفهمه. وما إن تلتقي بالناس وتتحدث إلى النساء والأطفال، تعتمد طريقة مختلفة في العمل. ولكن الحالة مؤلمة حقًا.»
وتذكّر السيد هادي رجلًا التقى به في غزة، وكان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ووصف الحالة بهذه العبارات: «عليك أن تنظر إلينا كما لو كنا مليونين من الموتى الأحياء ونعيش وحدنا. المجتمع المحلي محطم، والأسرة محطمة، والمجتمع محطم. جميع العلاقات محطمة.»
ويتزايد عدد #اليتامى الذين يعيشون وحدهم. «ثمة عدد يتراوح من 17,000 إلى 18,000 من الأطفال الذين ليسوا بصحبة ذويهم، والفتيان والفتيات يجوبون شوارع غزة دون أي حماية ودون مرافقة أفراد أسرهم. هل في وسعكم أن تتخيلوا الاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي؟ هل تستطيعون أن تتخيلوا ما يمرون به؟ إنه أمر مريع.»
« #النساء في غزة يحلقن رؤوسهن بسبب القمل ونقص الشامبو»
قال السيد هادي إن المياه النظيفة أو فنجانًا بسيطًا من القهوة أو الفطور: هذه الأشياء العادية غدت «أحلامًا» بالنسبة للسكان الفلسطينيين في غزة بعد مرور 11 شهرًا على اندلاع الحرب.
«ثمة أمور لا نستطيع أن نفكر فيها. الإحساس بالأمن. حقيقة أنكم تجلسون في هذه الغرفة دون أن يساوركم القلق جراء #قنبلة أو انفجار بجواركم. حقيقة أنكم تعرفون أين يتواجد أقاربكم. حقيقة أنكم تعرفون أين يتواجد أطفالكم وأفراد أسركم. هذا ليس متاحًا في غزة، هذه مشكلة تخص السكان في غزة.»
وأكد هادي أن إمكانية الوصول إلى حمّام لائق دون التعرض للمضايقات أو الاستغلال أو العنف القائم على النوع الاجتماعي تعد أيضًا مشكلة كبيرة تواجه النساء والفتيات. «فالنساء في غزة يحلقن رؤوسهن بسبب القمل وغياب النظافة الصحية ونقص الصابون.»
الأطفال يجمعون الحطب
كما تحدث السيد هادي عمّا يواجهه السكان الذين يعيشون في مراكز الإيواء التي تحفّها المخاطر من إحساس باليأس وافتقار إلى الهدف في حياتهم اليومية في غزة، إذ «لا يعرفون ما إذا كانوا سيكونون في عداد الأحياء في نهاية اليوم أم لا.» ولاحظ هادي أن «الشغل الشاغل للأطفال لا يزيد عن الذهاب إلى جمع الحطب لكي تتمكن أمهاتهم من طهي الطعام لهم. فليس ثمة غاز للطهي، ولا وجود للكهرباء. والأطفال يجمعون الخشب والكرتون وأحيانًا البلاستيك.»
«يحاول الأطفال أن يشغلوا أنفسهم. ولذلك، قد تقود سيارتك في شوارع خانيونس وسط كل هذا الدمار، ثم ترى فتاة صغيرة على قارعة الطريق وأمامها طاولة صغيرة وتحاول أن تبيع أشياء مثل مقبض باب مكسور أو كوب أو أي شيء. لا أستطيع أن أتصور من قد يشتري هذه الأشياء لأنه لا توجد عملة في غزة على أي حال. فالأوراق النقدية اختفت.»
التحديات التي تواجه المعونات الإنسانية
حضر السيد هادي إلى بروكسل لكي «يبيّن العذاب الذي ألمّ بالناس ويتأكد من أننا لا نزال نحصل على الدعم المالي والسياسي ومن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الدعم الذين يمكّننا من أداء عملنا.»
«عندما تعمل في ميدان إنقاذ الحياة، فأنت لا تترك شاردة ولا واردة (…). فالأمر لا يتعلق بالسكان الذين نخدمهم، وإنما بهؤلاء الذين لا نملك القدرة على خدمتهم. وعندما تحاول الأمم المتحدة أن تنفّذ برنامج العمل وميثاق الأمم المتحدة، فهي بحاجة إلى دعم بروكسل والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ليس في وسعنا أن نستسلم. فالسكان في غزة يعلّقون آمالهم علينا. وقد قلنا مرارًا وتكرارًا، وقال الأمين العام للأمم المتحدة، إننا سوف نبقى وسوف ننجز عملنا. (…) إن ما يقلقني على الدوام هو أن تغيب غزة عن رادار العمل الإنساني، وعن رادار المجتمع الدولي وعن الأخبار التي تُبَثّ في ساعة الذروة. وينبغي لها ألا تغيب طالما استمرت الحرب والمعاناة والقتل.»
إمكانية محدودة لوصول المعونات الإنسانية
وقد بيّن السيد هادي أن «وصول المعونات الإنسانية يساء استخدامه في بعض الأحيان، أو يساء فهمه على نحو أكثر تواترًا. فالوصول ينطوي على ما يتجاوز الوصول المادي مثلما يعتقد الناس. ففي حالتنا، يُستهل الوصول بتأشيرات السفر التي تُمنح دون قيد أو شرط للعاملين في المجال الإنساني، وهذا أمر لا نملكه. والوصول المادي على الطرق التي لا نملكها، لأن المعابر ليست مفتوحة جميعها.
يتعلق الوصول بالمساءلة التي لا تتيسر لنا. فمن اجل ان نتمكن من الوفاء باحتياجات السكان، نحتاج إلى إجراء التقييمات، ولكن لا يتوفر لدينا الحيز الذي يتيح لنا إجراءها. ولا تسمح لنا الحالة في غزة أن ننفذ أعمال الرصد المسبق لكي نرصد عمليات التوزيع، ونُعِدّ الرصد اللاحق بعدها. وهذه مشكلة أخرى ترتبط بالوصول الذي لا تخفى أهميته. ويشكّل الوصول رحلة طويلة بالنسبة لنا، ولكن النتيجة النهائية للوصول تكمن أساسًا في تقديم المساعدات والمساعدات الضرورية للسكان الذين يحتاجون إليها في الوقت المطلوب، وعلى النحو الذي يرون أنه يليق بهم.
إننا نحتاج بصفة خاصة إلى التحدث مع النساء والأطفال لكي نقف على ما يحتاجون إليه ونقدم تلك المعونة لهم. ونحن لا نملك الميزة التي تيّسر لنا ذلك الآن.
لذلك، فنحن في الأساس نعطي هؤلاء ما نستطيع تقديمه: دقيق القمح، والصناديق، وصناديق الأغذية المعلبة وغيرها من المواد الغذائية، ولكننا نفتقر إلى الحرية التي تمكّننا من تحديد ما نُحْضِره.»