أحداث الكونجرس: بين داعشية الجماعات ومتانة المؤسسات / د. نبيل الكوفحي

أحداث الكونجرس: بين داعشية الجماعات ومتانة المؤسسات
د. نبيل الكوفحي

كانت الانتخابات الامريكية الاخيرة مختلفة ربما عن كل الانتخابات السابقة، اذ برزت صراعات عميقة بين معسكرين؛ من يؤمنون بنتائج الصناديق الانتخابية، ومن يحاولون القفز عن نتائج تلك الصناديق. وجاء ترامب ليجسد نموذجا مخففا من ” الطاغوت العربي” الذي ابتليت به الأمة على امتداد غالب دولها.
في ذات الوقت شهدنا أن أمريكا دولة مؤسسات راسخة لحد مطلق، لا مجال فيها لنموذج ” الرجل الأوحد” في قيادتها، وان جيشها وقضائها ومجالس نوابها وشيوخها، لا تأتمر بأمر الرئيس في الامور التي تمس ” القيم الديمقراطية ” ومصالح الوطن العليا.

لا شك أن سلوك المجموعات التي اقتحمت الكونجرس لا يمثل الا قليل من الشعب الامريكي، لكنها دلالة على تجذر ” الأنا ” عند جماعات متطرفة، وأن الداعشية المصنعة في الشرق العربي، أقل تطرفا من تلك التي رأيناها عندهم، فالداعشية في بلادنا نمت في ظل ” لا دولة ولا قانون” وفِي وجود ظلم كبير وفساد عريض، ولا قيمة للمواطن للمشاركة في بناء وطنه واحترام حقه في الحياة والتعبير وتكافؤ الفرص، وفِي ظل اعلام موجه لمصالح خارجية ومجموعات الحكم المختلفة التي تتقاسم الاوطان على انها مزارع خاصة ومناطق نفوذ.

رأينا سلوكا خطيرا في الهجوم على عنوان ارادة الشعب الامريكي ( الكونجرس) وتحريضا من رئيس يحاول النجاة من غرق الهزيمة، ولكننا لم نرى قتلا وتكسيرا لهذه الجماعات المتطرفة والغوغائية الهمجية.
لم تكن قوات الامن الامريكية بعاجزة عن منع تلك الجماعات من الدخول، وارتكاب “مجزرة رابعة” امريكية كتلك التي كانت في الشرق، لكنها برغم كل ذلك لم تقتل وتعتقل الالوف وحافظت على ضبط النفس لدرجة الضعف!

لو انتقل سيناريو المشهد للمشرق ومع أني لا أؤيده؛ فكان ذات الحدث في أي بلد عربي، فكيف سيكون؟ بلا ادنى شك ستكون هناك محزرة بحجة منع الانقلاب على مؤسسات الدولة، وانها جماعات عميلة ولها ارتباطات واجندات خارجية ووو.. .. الى آخر المعزوفة التي دأب كتاب التدخل السريع على عزفها بشكل ممقوت.
هذا هو الفارق الاساس الذي يصنع قوة الدول، ويجعل مواطني أي دولة يؤمنون بوطنهم، أنه لهم، وانهم ليسوا عبيدا عند أحد، وبأحسن الأحوال ليسوا بمقيمين انما هم مواطنون لهم كل الحقوق كما عليهم الواجبات المستطاعة.

لم تكن تلك الاحداث سهلة على المجتمع الامريكي، لكنه كان واثقا أن مؤسساته راسخة وأن دولته باقية، وان ذهاب رئيس وقدوم اخر انما كتجديد في بعض أثاث البيت لا هدمه ولا تغير في عنوانه او هويته.

هذا الحدث كان له رواية واحدة؛ هي ما شاهده كل العالم مباشرة، ولا أحد بحاجة لبيانات من أي من الاطراف، ولا أحد يثير لأسئلة التي تشكل الاجابات المعلبة تزويرا للوعي العام.
كم نحن بحاجة ان نتعلم من هذه ” الفوضى” ان حياة الانسان وحريته وكرامته مقدمة بالمطلق على كل “الخطوط الحمر الموهومة” التي كانت ولا زالت تصطف خلفها الدول الهشة والانظمة الغارقة بالظلم والمتعفنة بالفساد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى